عن أي أندلس كان القاتل يبحث؟

عن أي أندلس كان القاتل يبحث؟

28 مارس 2019
+ الخط -
هل كان يسعى إلى دين أو يسعى إلى ملك توهمه أمام فوهة بندقيته. ملك شاسع يحاول أن يمتلكه برابرة جاءوا إلى البلدان من الشرق، بغضبهم وجلابيبهم ولحاهم، كما اعتاد إعلام الغرب أن يصوّرهم، والشرق أيضا بآراء حكامه وأفلامه ومسلسلاته الرمضانية على مدار السنوات الأخيرة، وكأن لا شياطين في الكون إلا هم، وهم وحدهم أصحاب البلاد والحكم والرشد والملائكة ويوسف وكل الطيبين.
هل كان القاتل يتصور أن قتل خمسين مصليا سيمكّنه من استعادة القسطنطينية أو آيا صوفيا حقا؟ دعنا الآن من علل القاتل الذاتية والنفسية، وعزلته عن النساء، كما ذكرت أمه. دعنا نفسر اختيارات القاتل. هل جهّز كل هذه الأسلحة بأنواعها، وسافر إلى كل هذه البلدان التي قصدها، بما فيها إسرائيل بالطبع، من أجل ملك؟ وأين هو هذا الملك المرجأ الذي كان يخطط له؟ هل هي إسطنبول أم نجران أم مكة أم المدينة أم غوطة دمشق، أم حتى طرد المسلمين (الغزاة) كما قال من كل الأقطار التي تحت سيادتهم. هل نسي القاتل أن أغلبهم مجرد ضيوف أو لاجئين أو مطاردين في قاراته (الأميركيتين وأستراليا ونيوزيلاندا). مجرد ضيوف على مائدة الله التي تكفي الجميع، بما فيها الوحوش، وتسمّى جغرافيا بالكرة الأرضية، والشمس هي الأخرى تأتي للأرض ضيفة، ثم تسافر، والقمر كذلك، والنجوم أيضا، ونحن ومن سوف يأتي، وكل الكتب التي نقرأها ونقدّسها أو نكتبها ولا نقدسها، ولكنها تسعدنا، لأننا ضيوف كتب، وضيوف فرح، وضيوف أرض لم نخلقها، وليس معنا صك ملكيتها من خالقها، كلنا ضيوف.
أكان القاتل لا يعرف أن الرجل لا ينبغي له أن يقتل ضيفا على أرضٍ هو فيها من الضيوف؟ كيف يقتل الضيف ضيفا، ويحمل كل هذه الأسلحة على ظهره، بكل هذه الثقة المفرطة والقسوة المفرطة؟ هل كان القاتل يبحث حقيقة عن مُلك مهدور، بعدما وضع يده على أربع قارات جديدة؟ وأن ما ذلك "العدو المتخيل" سوى ضيف ليس معه سوى مصحفه وجلبابه ومسجدٍ يصلي فيه، وليس لديه أي قنابل نووية أو ذريه تكفي مائة كرة أرضية، فلماذا لم يطمئن القاتل إلى قوته وصواريخه وقنابله، الظاهر منها والمختفي، ولماذا يخاف على مُلكه كل هذا الخوف الهستيري، وهو القارئ والعارف؟ فهل مثلا كان القاتل يبحث عن "أندلس ما"، أي أندلس، ترك فيه هناك أحد تلامذة المسيح عليه السلام بعض آثاره، والقاتل يحاول جاهدا الوصول، ولو بالقتل، إلى هذا الأثر المقدس، ولكني أعرف أن أغلب ارتحالات التلامذة كانت للهداية، ولم تكن للغزو أو حتى الفتح، ولم تكن لا بسيف ولا بترس قط، علاوة على أن معظمها كانت لأنطاكية أو رومية. ولم نسمع للتلامذة عن ارتحالاتٍ، لا إلى نيوزيلاندا أو سوقطرة، فلماذا ذهب القاتل إلى نيوزيلاندا ومعه كل هذه العدة الصعبة من بارود التاريخ وقنابله، كي يفتح الذاكرة على كل هذه الصناديق السوداء القديمة من الدم والبارود والجثث؟
هل كان القاتل بالفعل يبحث جاهدا بكل أسلحته عن تفوق "العرق الأبيض"؟، ومن قال له إن العرق الأبيض كلفه بالبحث عن مظلوميته، بعدما تكالب عليه البرابرة؟ فما زال العرق الأبيض هو المتوّج على أوروبا بصواريخها في كل أرجاء أوروبا (وحلف الناتو مكانه)، ولا يقابله ويضاهيه في العتاد والعدة إلا روسيا البيضاء أيضا، فأي مكانٍ لمخاوف تهزّ شعرة القاتل، وكل عواصمهم ومدنهم في حروبٍ من صنعاء إلى طرابلس إلى حلب، فعلى أي عرقٍ أبيض يخاف القاتل والأسلحة الأميركية والروسية والفرنسية بطائراتهم وصواريخهم على أرض سورية (وهم مشايخ عرب القتل والصلح والتصالح) هناك؟ فعلى ماذا كان يخاف القاتل، حتى يضطر لكل هذه الإشارات العنصرية وهو مكبل بالحديد؟ وهل من يذهب، بكل هذا الإرث البغيض من الانتقام الذي ألهاه، حتى عن مخاطبة ود البنات في هذا العصر المنفتح، كما أشارت والدته. كيف له أن يكون مخمورا كما ذكر عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات، فور حدوث المقتلة، فهل شمّ الوزير فمه قبل الحادث، أو بعده، لا قدر الله؟ وهل مثل هذه السفاسف المتعلقة بالخمر أو الميسر أو متعلقاتهما، من كيوف ونساء ومنزول وما شابه، هي من مهام عمل وزير خارجية دولة تتشرف برؤيتها هلال رمضان لحظة أن يخط على بلاد العرب من الشرق؟ أعرف أن الرجل قد يكون في جزيرة سوقطرة، مثلا، يرتّب أمر الزبيب والفستق والياميش للسكان والعائلات البسيطة هناك مع بقية السياسات اللازمة، فما الذي دفعه إلى ترك هذه المهام السامية، وجاء كي يتشمم فم قاتلٍ مدججٍ بكل هذه الأسلحة؟