Skip to main content
عن أمير "الدم والنفط"
نواف التميمي

دعا ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مارس/ آذار 2015، كبار الجنرالات في وزارة الدفاع إلى اجتماع، بصفته وزير الدفاع الجديد المعين من والده الملك. كان على رأس جدول الأعمال وضع الخطط اللازمة لتدخل عسكري في اليمن. وبخلاف ما جرت عليه قواعد اللعبة في المملكة، لم يكن الأمير الشاب قد حصل على ضوء أخضر من واشنطن، سيما عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، وخصوصا الخشن منها. أذهل ولي ولي العهد آنذاك القادة العسكريين بأمره "إرسال طائرات F-15" على الفور لقصف مواقع جماعة الحوثي في اليمن. ومنذ تلك اللحظة، يتخبّط محمد بن سلمان في وحل اليمن التي وعد والدَه والمسؤولين الأميركيين بحسمها في غضون شهرين، لتعبر الآن عامها الخامس، وتوصف بأنها أكبر كارثة إنسانية في العالم.

يظهر سوء التقدير الخطير لولي العهد في اليمن على رأس قائمةٍ طويلةٍ من الأخطاء، يوردها كتاب "الدم والنفط" الذي صدر قبل أيام للمؤلفين، برادلي هوب وجوستين شيك، وكلاهما مراسلان في صحيفة وول ستريت جورنال، ويرصدان فيه صعود نجم محمد بن سلمان، ونهمه منذ الصغر للمال والسلطة، ورغبته بامتلاكهما بالدم والحديد، بالمراوغة والخيانة. 

يكشف الكتاب كيف أذهل الصعود المفاجئ لمحمد بن سلمان، البالغ 35 عامًا، قادة وسياسيين ورجال أعمال عالميين، هرعوا إلى الرياض لمقابلة الشاب الطموح، وخرجوا مقتنعين بأن رغبته في إصلاح المملكة صادقة. أبهرتهم حماسته لإدماج النساء في القوى العاملة، ورفع القيود عنهن، والسماح لهن بقيادة السيارة والسفر من دون مَحرم. أدهشهم حديثه عن تقليم أظافر السلطة الدينية، وقص مخالب رجالات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستبدالهم بهيئة عامة للترفيه. هالتهم أفكاره عن النهضة الاقتصادية، وطرح أسهم من "أرامكو" للاستثمار العالمي، وسرح خيالهم بعيداً لاستيعاب مشروع مدينة "نيوم"، جوهرة رؤية الأمير. 

ولكن، سرعان ما أخذ الانبهار يتبدّد مع كل خطوة يخبطها الشاب الذي أراد الجري قبل تعلم المشي، فوقع في خطايا فشلَ في تنظيف آثارها عشراتُ الاستشاريين وخبراء العلاقات العامة. أخذت قسوته المفرطة، ورغبته الجامحة في السيطرة على الحكم بالدم والنار، تتكشف مع تورّط رجالاته في جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، وقبل ذلك احتجازه ثلاثمائة من علية القوم، بمن فيهم أمراء من العائلة المالكة، في فندق "ريتز كارلتون" للسطو على أموالهم وكسر شوكتهم. 

في كتابهما، الأقرب إلى تحقيق صحافي استقصائي، يعرض المؤلفان محطاتٍ كثيرة في حياة ولي العهد القصيرة، منذ كان طفلاً يعاني من زيادة الوزن، مُدمناً على وجبات "ماكدونالدز"، إلى شابٍ تتعاظم شهوته للعرش، لا يتورّع عن اختطاف رئيس الوزراء اللبناني السابق، سعد الحريري، وشن حربٍ على بلد مجاور، وفرض حصار على دولة قطر. ويورد المؤلفان كيف أن التخطيط لهذا الحصار بدأ قبل ثلاثة أشهر من الأزمة، في 22 مارس/ آذار 2017، بتحريضٍ من ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وفق خطة بدأت بحملة إعلامية مركزة أعقبت انتهاء زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للسعودية، وتقوم على تضليل المتلقي الغربي بشأن دعم قطر الإرهاب، وترويج معلومات عن رشى قدمتها قطر لشراء تنظيم كأس العالم 2022.

أفرد الكتاب صفحاتٍ عن حياة البذخ التي يعيشها الأمير، مثل إقامة حفل ضخم في جزر المالديف دعا إليه لفيفا من المقرّبين و150 حسناء نقلهن جواً من البرازيل وروسيا، وإسرافه على شراء يخت "سيرين" بـ429 مليون يورو، وشراء القصر الفرنسي القريب من فرساي بثلاثمائة مليون دولار.

مع أن كتاب "الدم والنفط" لم يأت بمفاجآت، على الأقل الأجزاء التي تُرجمت منه حتى اللحظة، إلا أنه غني بتفاصيل مثيرة، جمعها المؤلفان من تقارير استخبارية، ومن شهادات أشخاصٍ عملوا مع ولي العهد السعودي، أو تعاملوا معه.