يبدو حلم مارتن لوثر كينغ بعد خمسين عاماً على اغتياله، مهدداً اليوم أكثر من أي وقت مضى، فنضال الناشط الأميركي لقيام مجتمع يساوي بين جميع أفراده وتأمين حقوق مدنية متساوية بين البيض والأميركيين من أصل أفريقي، والتقدّم الذي حصل في هذا المجال، يقابله اليوم مناخ يسمح للعنصريين البيض بالعودة بقوة إلى الساحة الأميركية، منذ وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، وهو الذي أعطى هؤلاء صوتاً افتقدوه سابقاً، وأجّج في بعض خطاباته غضب السود ضده.
وساهمت التطورات المتسارعة في الولايات المتحدة منذ وصول ترامب، في إعادة توجيه الأنظار إلى العنصرية الكامنة في المؤسسات الأميركية وهيئاتها، والفجوة الكبيرة التي لا تزال قائمة بين البيض والسود في المساواة السياسية والعرقية والاجتماعية والاقتصادية. وبعدما كان وصول باراك أوباما إلى الرئاسة الأميركية كأول رئيس للولايات المتحدة، أشعر الأميركيين من أصل أفريقي بشيء من المساواة والفخر، إلا أن خليفته ترامب أعاد الأمور إلى مربع التشنج. ولم يعيّن الرئيس الحالي إلا القليل من أبناء الأقليات في المناصب العليا، كما جلب على نفسه انتقادات كبيرة بعد معارك خاضها على "تويتر" مع رياضيين سود. ولا يمكن نسيان تصريحاته حول القارة الأفريقية التي وصف دولها بأنها "أوكار قذرة"، على الرغم من نفي إدارته صدور تصريح كهذا عنه.
وعن هذا الأمر، قال عضو مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي جون لويس، والذي أصيب بجراح خطيرة حينما كان زعيماً للحقوق المدنية في الستينيات: "عندما سمعت السيد ترامب يقول إن هناك أناسا طيبين... بعض الناس الطيبين في الجانبين، ورأيت العنف في شارلوتسفيل بكيت... بكيت حقاً". وأضاف "لكنه جعلني أكثر تصميماً على بذل كل ما بوسعي لمساعدة بلدنا على المضي قدماً".
هذا الوقع القائم علّق عليه إي. لين براون، الزميل السابق لكينغ وهو أسقف كنيسة قرب ممفيس، بالقول إن العنصرية التي ساعدت جهود كينغ في كبحها عادت من جديد، في إشارة إلى عودة ظهور العنصريين البيض منذ أن أطلق ترامب حملته لانتخابات الرئاسة. وقال براون "كانوا يخشون الكشف عن وجههم القبيح. الآن أعطاهم ترامب صوتاً وخلق مناخاً لا يخافون فيه الكشف عن وجههم القبيح".
على الرغم من ذلك، فإن ترامب يتحدث من منطلق آخر، وخلال الاحتفال بذكرى ميلاد كينغ في يناير/ كانون الثاني الماضي، أشاد الرئيس الأميركي بالناشط الراحل، وأشار إلى تراجع معدل البطالة إلى مستويات تاريخية بين الأميركيين السود كدليل على أنهم يستفيدون من رئاسته.
وخاض لوثر كينغ، الذي اغتيل بالرصاص في ممفيس في الرابع من إبريل/ نيسان 1968 عن عمر 39 عاماً، حملة سلمية من أجل حصول الأميركيين من أصل أفريقي على حقوق متساوية. وصدم مقتله الولايات المتحدة في عام شهد أعمال شغب عنصرية وتظاهرات عنيفة ضد الحرب في فيتنام واغتيال المرشح الرئاسي روبرت كينيدي.
اليوم وبعد خمسين عاماً على وفاته، يبقى حلم كينغ بقيام مجتمع يجلس جميع أفراده "إلى طاولة الأخوّة" مجرد حلم. وأشار أستاذ التاريخ في جامعة نيوهمشير، جيسون سوكول، إلى أنه تم إنجاز تقدّم، لكنه لفت في الوقت نفسه إلى استمرار التباين "وعلى الأخص حين ننظر إلى فقر السود ونسبة المسجونين من بينهم ومشاكل العنف في ممارسات الشرطة".
وما يزيد من الخيبة، برأي مدير مركز الأبحاث حول التاريخ الاجتماعي في جامعة بافالو، هنري لويس تايلور جونيور، أن "العنصرية الكامنة في نسيج مؤسسات الولايات المتحدة وهيئاتها لم تتغير حقاً، على الرغم من أن سلوك الأفراد تبدل في ما يتعلق بالمسائل العرقية"، مضيفاً أن كفاح كينغ "كان يرتقي إلى عالم آخر ممكن، يقوم على العدالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعرقية، ولكن يتبيّن لنا أننا لم نحقق تقدماً كبيراً خلال السنوات الخمسين الأخيرة على طريق تحقيق هذا الحلم".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)