عنصرية "ذا صن": المهاجرون صراصير...

عنصرية "ذا صن": المهاجرون صراصير...

22 ابريل 2015
لا عزاء للمهاجرين (فرانس برس)
+ الخط -
لا تحتاج أن تكون عضواً في حزب "الاستقلال" البريطاني المعادي للمهاجرين، أو عضواً في النسخة البريطانية من "الجبهة الوطنية" اليمينية في فرنسا، ولا حتى أن تكون ناشطاً في منظمة "بيغيدا" الأوروبية العنصرية، حتى تصف المهاجرين في سفن الموت بـ "الصراصير". بل يكفي أن تكون من فصيلة كاتي هوبكنز، الكاتبة في صحيفة "ذا صن" البريطانية، أو من فصيلة رئيس تحرير الصحيفة الشعبية، ديفيد دينسمور، الذي سمح بنشر عمود الكاتبة الذي يفيض بالعنصرية وهي تعبر صراحة عن أنها لا تكترث لصور ضحايا قوارب الموت، وتقول: "لا، لا تهمني صور التوابيت، والجثث الطافية على سطح البحر، ولا تهمني الأجساد النحيلة والوجوه الحزينة".



هوبكينز معروفة أيضاً بآرائها العنصرية الكارهة للفلسطينيين والعرب، إذ كتبت خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في صيف عام 2014: "العرب يطلقون الصواريخ على إسرائيل من داخل المستشفيات والمدارس، ويجلبون النيران الإسرائيلية لتسقط على رؤوس ناسهم". وفي مناسبة أخرى كتبت: "الفلسطينيون منهمكون بطعن الإسرائيليين بالسكاكين، عن أي دولتين تتحدثون؟!!، إنهم قوارض قذرة تختبئ تحت إسرائيل، لقد حان الوقت لاستئناف القصف".
الكاتبة، وسيدة الأعمال، وخبيرة التسويق التي تبحث عن الإثارة، نجحت هذه المرة أيضاً في استفزاز مشاعر الكثيرين وهي تدعو الى استخدام البوارج الحربية لمطاردة قوارب المهاجرين ودحرها إلى حيث جاءت. صاحبة المواهب المتعددة، وخريجة كلية "ساند هيرست" الملكية، تخاطب الهاربين من الحروب الأهلية، وثالوث الفقر والمرض والجهل بالقول: "من يبحث عن الحياة الأفضل، عليه أن يكون مبدعاً ويجتهد لتحسين حياته هناك في شمال أفريقيا". وفي عنصرية فاقت الفاشية والنازية، على حد تعبير صحيفة "إندبندنت،" تمضي السيدة الشقراء، صاحبة العينين الزرقاوين، والمظهر الأرستقراطي، بالقول "لا يجب أن يخدعنا نحول أجسامهم أو مظاهرهم الحزينة البائسة، هؤلاء المهاجرون مثل الصراصير، لهم قدرة هائلة على البقاء حتى لو ألقيت عليهم قنبلة ذرية".

[إقرأ أيضاً: هل تغلق القارة الأوروبية حدودها بوجه اللاجئين؟]

بعض المعلقين والإعلاميين لم يستبعدوا أن يكون توقيت نشر مقالة هوبكنز له صلة بمناخ الحشد للانتخابات العامة التي ستُجرى في بريطانيا يوم السابع من الشهر المقبل، وتسعى من خلاله السيدة المشهورة بـ "انتهاز" المواقف لركوب موجة اليمين، الذي تسانده صحيفة "ذا صن"، والذي يدعو صراحة الى إغلاق حدود بريطانيا أمام المهاجرين، الذين يأتون إلى أرض" اللبن والعسل لاستنزاف موارد البلاد وتكبيد ميزانية الدولة المزيد من النفقات في قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والبنية التحتية"، على حد تعبير صحيفة "ذا صن".


غير أن مقالة هوبكنز التي تزامنت أيضاً مع غرق المئات في مياه البحر الأبيض المتوسط، أثارت ردود فعل غاضبة في الأوساط الإعلامية والشعبية البريطانية، تراوحت بين توقيع 200 ألف شخص على بيان يطالب صحيفة "صن" بفصلها من العمل، وطلب اعتقالها وتقديمها للمحاكمة بتهمة التمييز العنصري ونشر الكراهية العرقية، وصولاً إلى حد مطالبة رئيس جمعية المحامين السود في بريطانيا، بيتر هيربرت، محكمة الجنايات الدولية للتحقيق بشكل عاجل في آراء هوبكنز التي تشجع على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وفي المقابل، قال مؤيدون أو متعاطفون مع "السيدة الشجاعة" أنها عبرت بجرأة عن أراء الكثيرين، وواجهت بشجاعة مواقف المتخاذلين العاجزين عن التعبير عن سخطهم من تزايد أعداد المهاجرين الذين باتوا كابوساً يثقل كاهل قطاعات التعليم والصحة والإسكان، ويحرمون الناس في بريطانيا من رغد العيش ورفاهية الحياة.
آراء أخرى، رأت أن كاتي هوبكنز وجهت سهام عنصريتها في الاتجاه الخطأ، إذ كان عليها أن توجه انتقادها نحو من سياسيين أمثال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، وقبله توني بلير، ورئيس الجمهورية الفرنسية السابق نيكولا ساركوزي واللاحق فرانسوا هولاند، وغيرهم من القادة الغربيين الذين قادوا حملات عسكرية أغرقت الكثير من البلاد في الفوضى وعدم الاستقرار وانفجار الحروب الأهلية في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، ما أدى الى ركوب الآلاف البحر والتوجه نحو أوروبا بحثاً عن النجاة والحياة، بعد أن تساوى عندهم الموت بقذيفة طائشة مع الموت غرقاً في قلب البحر الأبيض المتوسط.

[إقرأ أيضاً: كرونولوجيا ضحايا البحر... والمسؤولية الأوروبية]

غير أن المتابعين لنشاط هوبكينز، والعارفين بشغفها في الإثارة ولفت الانتباه ولو بتبني أفكار عنصرية، يعتبرون أن السيدة التي سبق لها أن هاجمت المهاجرين، والأشخاص البدينين، وحتى الذين يعانون من احتياجات خاصة، لا يمكن أن تتوقف عن سلوكها إلا بتجاهلها تماماً، لأن الرد عليها يمنحها شعوراً بالنجاح والتفوق، ويمنحها المزيد من أوكسجين الشهرة. لكن الكاتب في صحيفة "إندبندنت" سايمون يوزبورن، لا يتفق مع موقف "اللا رد"، ويرى أن كاتي هوبكنز صنعت بذكاء شعبية و"علامة تجارية" شخصية عبر إطلاق وجهات نظر استفزازية تميل إلى تشويه سمعة من لا تحب، وأفضل طريقة للرد عليها هو عدم الرد على الإطلاق...ولكن عندما تفتح إحدى الصحف القومية، ذات العلامة التجارية المميزة، وواسعة الانتشار صفحاتها لنشر هذه المواقف التي تتفوق على "الهتلرية"، فإن الأمر لا يحتمل السكوت وبالضرورة يستدعي الرد.
أما الكاتبة بريوني غوردن، تقول إنها عمدت الى تجاهل كاتي هوبكنز، غير أن ما كتبته الأخيرة في نهاية الأسبوع الماضي، استفز الكتابة في صحيفة "تلغراف" التي لامت الناس والإعلام لأنهم صنعوا من كاتي هوبكنز نجمة. وتقول غوردن:" إنها وحش من صنع أيدينا... وإذا كنا نريد تغيير سلوكها، علينا تغيير سلوكنا أولاً". وتمضي الكاتبة بالقول: "إن عصر الإعلام الجديد، وسعي الإعلام المطبوع والمرئي إلى كسب المزيد من الجمهور لتحقيق المزيد من المشاهدة، وبالتالي بيع المزيد من الإعلانات، و إذا ما أردنا التخلص من كاتي هوبكنز فعلينا مواجهة هذا الواقع بمسؤولية...".


وربما يكون كلام بريوني غوردن الأكثر دقة في توصيف العلاقة "المصلحية" بين كاتي هوبكنز والإعلام الأصفر، فالكاتبة تحاول أن تثبت نجاحها بعدما طردت من برنامج لتلفزيون الواقع يبحث عن شخصيات ناجحة لقيادة مشاريع تجارية. وقد طردت هوبكنز في الحلقات الأولى من البرنامج بعدما سمعت كلاماً محرجاً من الحكم الرئيسي في البرنامج، رجل الأعمال المشهور، اللورد شوجر. أما صحيفة "ذا صن" التي تصنف ضمن الصحافة الشعبية الصفراء في بريطانيا، فوجدت في شخصية كاتي هوبكنز المثيرة للجدل والباحثة عن الإثارة والنجومية، فرصة لاستقطابها، ومنحها عموداً أسبوعياً تفرغ فيه حقدها على المهاجرين... ولم يقتصر ظهور كاتي هوبكنز على صفحات "ذا صن"، بل فتحت قنوات تلفزيونية ومحطات إذاعية يمينية هواءها وموجاتها لآراء هوبكنز، التي نشطت خلال اليومين الماضيين بالظهور المكثف للدفاع عما كتبته في صحيفة " ذا صن" يوم الأحد الماضي.

[إقرأ أيضاً: تجارة الموت في مقبرة المتوسط]