عندما يصبح الوطن مادة دعائية

23 يونيو 2014
+ الخط -

في حال النظر إلى ما تشهده مصر في هذه الحقبة الانقلابية، يمكننا الادعاء أن أبرز الظواهر العامة، والتي تحتل الفضاء العام، هي تفشي خطاب الوطنية المتطرفة، بكل ما تحمل كلمة "متطرفة" من معنى. وهنا، نقصد بالوطنية المتطرفة، الفاشية بعينها، بل وشكلاً خطيراً من أشكال الفاشية، أي حين تتجمل وتتزين حتى تعجب الناظرين إليها. للوهلة الأولى، قد ينخدع من يقع الخطاب الوطني المتطرف، الفاشي، على مسمعه، فقد يبدو الخطاب وطنياً يقع في المجال العادي، ويعبر عن حب الوطن والعمل لصالحه. لكن، لا ينبغي أن يغيب عن البال أن هذا الخطاب يحاول أن يقنع المتلقي بأن ما يجري ارتكابه من إجراءات تعسفية قمعية استبدادية، إنما يصب في صالحه وصالح الوطن، مستغلاً جهل العامة، مخاطباً عواطفهم لا عقولهم.
إذا ما دققنا في مجمل ما قدمه رئيس الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، نجد أنه يعمل في خطاباته على إعلاء قيمة الوطن، كلامياً، وتضخيمها أكثر من اللازم، في حين أنه يغفل تماماً قيمة الفرد، بل ويستعلي عليه باسم الوطنية. كما يعتمد في خطابه على الخطاب المُسكر المغيّب للعقول، الذي يفعل فيها فعل التخدير، بدغدغة العواطف، وإبهار الحماسة. كذلك يصور هذا الخطاب الفاشي قائد الأمة أو زعيمها على أنه الأمة، وأنه الوطن، فمجرد إهانته تصبح إهانة للوطن، وبذلك يحفظ صورته من الاهتزاز أمام العامة، بل ويكسب جهة تدافع عنه، لأنه، في نظرها، يصبح التمثيل الأبرز لصورة الوطن.
تجده، أيضاً، يعمل على اتخاذ حزمة من الإجراءات الاستبدادية التي توفر له مناخاً مناسباً لممارسة تفرده بالحكم، بدعوى أن ذلك يحافظ على الأمن القومي للوطن. من الملاحظ، أيضاً، أن صاحب هذا الخطاب يعمل على إصدار القوانين من دون توضيح الأسباب التي تقف خلف القرار. بل ويصاحب هذه القرارات افتعال أحداثٍ تلهي الرأي العام عن هذه القوانين، فيجري تمريرها بسلام وأمان. وهو يصور للعامة أن الأمة مستهدفة من كل جانب، ومن كل الأمم من حولها، التي بدورها لا تريد سوى تدمير أمته والقضاء عليها، لولا حماية هذا الزعيم الوطني للأمة.
يعتمد هذا الخطاب على تخويف العامة من الخروج عليه، أو محاسبته، بحجة أن الأمة، الآن، في حالة مواجهة وحرب مع الأمم الأخرى. إضافة إلى أنه لا يوفر جهداً في العمل على السيطرة على المنافذ المتاحة للتعبير عن الرأي، بحجة المحافظة على الأمن العام، والاستقرار، والقضاء على مروجي الأفكار التي تؤدي إلى زعزعة الأمن في المجتمع. ويعمل على شيطنة كل من يصدح بقول الحق ويعبّر عن رأيه، فمن الممكن أن يتهمه بأنه جاهل، لا يعلم شيئاً عن إدارة الأوطان، أو يتهمه بالعمالة والخيانة، أو ما شابه من التهم. من الممكن، أيضاً، اتهام معارضيه بأنهم يمثلون إرهاباً ضد المجتمع والدولة. يجدر الانتباه إلى أنه لا يتكلم، أبداً، عن حقوق الفرد، ولا يذكرها، بل يصب كل تركيزه وخطابه على واجبات الفرد تجاه مجتمعه، متناسياً احتياجات الفرد، ومتناسياً دور الدولة في رعاية أفرادها، ولا يهمه إلا عسكرة مؤسسة الحكم، واستدامة سطوته عليها.

D184AD69-5BB6-46D4-9FB2-FBBBEF8100C8
D184AD69-5BB6-46D4-9FB2-FBBBEF8100C8
محمد عبد الغفار عبد الراضي (مصر)
محمد عبد الغفار عبد الراضي (مصر)