عندما يتفشى التطرف

عندما يتفشى التطرف

16 يناير 2015
+ الخط -

يشهد العالم الإسلامي، أخيراً، ظاهرة تعرف بالتطرف الإسلامي، فلقد مارست جماعات إسلامية أفعالاً متطرّفة، تحت عباءة الإسلام، من قطع للرقاب وتفجيرات واغتيالات، والأخطر من هذا كله أن هذه الأفكار والممارسات صارت تلاقي قبولاً ورواجاً رهيباً في بعض أوساط الشباب المسلم الذي كان بعضهم، حتى الأمس القريب، من المعتدلين. وهذا مؤشر خطير، لأنه يؤسّس لجيل يبني ثقافته على العنف ويبرر القتل ويستسيغه ويبسطه. لا بل ويكفّر كل من يواجهه ويتّهمه بنقص الرجولة.
لا ينكر أحد أن الإسلام المعتدل محارب. وأن كثرة الظلم والاضطهاد أصابت الناس باليأس والإحباط من المشروع المعتدل وبدأت ترى في "داعش" على سبيل المثال، الحل الاستراتيجي لمشكلات المسلمين، بجلد الزاني وقطع يد السارق. ولكن، إلى متى ستظل نظرية المؤامرة جاهزة دائماً لتبرير كل فشل إعلامي وسياسي وفكري لجناح المعتدلين، ألم يتوقع العاملون المعتدلون هذه الحرب، إن أبسط قواعد التخطيط تقتضي أخذ كل الاحتمالات في الحسبان. فكيف إن كنت من يحمل هذا الفكر المعتدل الذي يعتبر أخطر بكثير على مشاريع أخرى من الفكر المتطرف؟
من يقوم بالأعمال الإرهابية أشخاص مسلمون يستخدمون نصوصاً غير محرفة من القرآن والسنة. وهذا اجتهادهم وتفسيرهم، ولا يحق لأحد أن ينكر عليهم ذلك. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: أين الحقيقة الأخرى؟ ولماذا يبدو الإسلام المعتدل ضعيفاً جدّاً أمام هذا الغزو الفكري والفقهي لمثل هذه الجماعات؟ أين الفتاوى الفقهية المعاصرة؟ أين الفكر المعاصر؟ لماذا لا ينتشر حملة هذا الفكر المعتدل في كل مكان؟ في كل مسجد وشارع وموقع إلكتروني يعرّفون الناس بحقيقة الإسلام. ألا يلام هؤلاء بتركهم الساحة لقمة سائغة أمام المتطرّفين؟
الأساس، بعد التأصيل الفكري والفقهي، هو تمكين الشباب وإحاطتهم من كل النواحي عبر الأندية الشبابية والمؤسسات الفكرية والتعليمية والجمعيات الرياضية. فشبابنا بين مطرقتين: مطرقة الفراغ والانحراف الخلقي ومطرقة التطرف. وبينهما يقف المعتدلون عاجزين، نظراً لقلة فاعلية مؤسساتهم أمام الهجمات العنيفة. نعم، يلام المعتدلون لضعف البديل الذي يقدمونه.
بالتزامن مع ذلك، أرى ضرورة تطوير التعليم. فكم نحن بحاجة لتعليم الشباب كيفية التفكير السليم النقدي المنطقي لكي يواجه الأفكار الغريبة بثباتٍ وثقة. التعليم الحق هو تعليم الشباب وعامة الناس مهارات التفكير والنقد، لا كيفية حفظ المعلومات من دون أدنى مهارات التفكّر والتعقّل والقدرة على دحض التطرّف، وغيره من الأفكار الشاذة.
حجم الإرهاب وشراسة المعركة تقتضي وضع خطة استراتيجية لمكافحة الفكر المتطرف. خطة تضع الإسلام المعتدل في موقع الهجوم والفعل، لا الدفاع وردة الفعل عند حصول الخطأ لتبرئة الإسلام من جرائم ترتكب باسمه. كل هذا يبدأ بتأصيل فكري وفقهي معاصر، يحاكي العقل والمنطق، وينتهي بنادٍ رياضي ومدرسة متطوّرة في كل منطقة ومدينة في بلادنا العربية والإسلامية.
كلامي ليس بغرض انتقاد المعتدلين. إنما هو إيمان بدورهم وبالآمال المعقودة عليهم. ولولا هذا الأمل، لما تكلمنا وألقينا اللوم.

avata
avata
محمد استيتيه (لبنان)
محمد استيتيه (لبنان)