عندما يبعث الراديو حياً

عندما يبعث الراديو حياً

10 نوفمبر 2019
كان "الترانزستور" رفيق الناس (Getty)
+ الخط -
"يا ابني بلادك قلبك اعطيها وغير فكرك ما بيغنيها... ان ما حميتها يا ابني من الويلات ما في حدا غيرك بيحميها". ويمضي وديع الصافي في إنشاده. كثيرة هي الإذاعات التي راحت تستعيد في الآونة الأخيرة ريبيرتوار الأغاني الوطنيّة لمن لُقّب "صوت الجبل" من بين ألقاب أخرى، أمّا المناسبة فليست ذكرى رحيله ولا هي مبادرة لتكريمه. الأوضاع المستجدّة على الساحة اللبنانيّة أخيراً هي التي تفرض ذلك، مثلما تستوجب استعادة أغانٍ كثيرة من ريبيرتوار السيّدة فيروز وغيرها من الذين غنّوا لبنان في مناسبات وسياقات مختلفة.

وسط زحمات السير التي كثرت في الأيّام الأخيرة على خلفيّة إغلاق طرقات كثيرة في سياق التحرّكات الاحتجاجيّة على الأوضاع في البلاد، استعادت الإذاعات بعضاً من عزّها. صحيح أنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ تقوم بالواجب في ما يخصّ تغطية الأحداث وكذلك الأمر من جهة خدمات الخبر السريع التي تؤمّنها وسائل إعلام مرئيّة ومكتوبة على مدار الساعة، غير أنّ الراديو استردّ مكانته بين اللبنانيّين. ولعلّ ذلك يرتبط بأيّام غابرة، حين كانت مكاتب التحرير في الإذاعات تنقل أحداث الحرب بمعاركها المختلفة. في ذلك الزمن، مع انقطاع التيّار الكهربائي لأيّام أحياناً وفي غياب المولّدات التي توفّر الطاقة البديلة كما هي الحال في يومنا هذا، كان "الترانزستور" ذلك الراديو المحمول الذي يعمل على البطّاريّات رفيقَ الناس. من خلاله كانوا يطلعون على آخر المستجدّات بهدف تنظيم أوقاتهم على أساسها.

في ذلك الزمن، لم تكن المدارس تبعث، لأولياء أمور تلاميذها، برسائل نصيّة قصيرة ولا أخرى إلكترونيّة ولم تكن تنشر إعلانات على مواقعها الإلكترونيّة تفيدهم من خلالها بتعطيل الدراسة، على سبيل المثال لا الحصر. حينها، لا الهواتف الخلويّة كانت متوفّرة ولا الإنترنت، فكان الراديو هو الذي ينقل خريطة الاشتباكات وما إليها، فيقدّر المعنيّون الخطوات الواجب اتّخاذها بالتالي. أمّا اليوم، فيستعيد الأمس ما خبره أهلهم، ويتنقّلون من إذاعة إلى أخرى لعلّ ما تبثّه يوضح شيئاً من المشهد أو المشاهد في البلاد. ولا يقتصر الأمر على تلقّي الخبر، فقد عادت الاتّصالات المباشرة التي يعبّر من خلالها المستمعون عن آرائهم ويساهمون كذلك في نقل المعلومة من أماكن تواجدهم، كمندوبين/ مراسلين لإذاعة أو أخرى.




هو بعض من الماضي يُسترجع اليوم، مع قلق يشبه ذلك الذي كان يتحكّم ببالغي الأمس... كأنّما بعض من التاريخ يعيد نفسه. وتتوالى الأغاني والأناشيد الوطنيّة التي تبثّها الإذاعات، فيردّدها بالغو اليوم وقد حفظوها مذ كانوا أطفالاً. فيمضون يغنّون مع السيّدة فيروز، وإن رغماً عنهم، "بحبّك يا لبنان يا وطني بحبّك... بشمالك بجنوبك بسهلك بحبّك... بتسأل شو بني وشو اللي ما بني... بحبّك يا لبنان يا وطني".

المساهمون