عمّال تونس يندفعون للإنتاج: لقمة العيش قبل الصحة

عمّال تونس يندفعون للإنتاج: لقمة العيش قبل الصحة

08 مايو 2020
عودة الحياة لمصانع تونس رغم كورونا (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تدفق ملايين العمال التونسيين إلى المصانع والمهن المختلفة بعد فتح الأسواق، من أجل الدفاع عن لقمة العيش رغم مخاطر كورونا الصحية.

ولا يأبه العامل بمصنع لمكونات السيارات، عامر البراهمي (37 عاما)، كثيرا لمخاطر عدوى فيروس كورونا التي يمكن أن تنتقل بين العمال مع استئناف النشاط، فهو منشغل مع بقية زملائه بقرارات مرتقبة قد تتخذها إدارة المصنع قد تصل إلى حد إنهاء عقود بعضهم.

ويقول البراهمي لـ"العربي الجديد": "كنت وزملاء لي من أوائل المطالبين باستئناف العمل، قبل القرار الحكومي بالسماح للنشاطات الصناعية بالعودة بنسبة 50 في المائة من طاقتها التشغيلية".

ويؤكد المتحدث أن أكثر من 400 عامل أصروا على العودة إلى المصنع خوفا من البطالة وإجراءات التسريح التي تنتظر العديد من الشغالين في قطاعات عديدة بسبب الجائحة الصحية العالمية.

يعتبر العامل الثلاثيني أن البطالة أقسى من كورونا التي يمكن أن يشفى منها المريض في أسابيع، لكن العوز بسبب فقدان العمل قد يستمر لسنوات ويؤثر على حياة أسر بأكملها، وفق قوله.

وشهد العديد من المصانع التونسية رغم مخاطر الفيروس طلبا ملحا من عمالها بالعودة إلى أشغالهم خوفا من شبح البطالة أو تقليص الأجور، حيث سجّلت وحدات صناعية في مختلف محافظات البلاد هبّة من عمالها سبقت الإعلان الحكومي عن الرفع التدريجي لقيود الحجر الصحي التي بدأ تنفيذها الإثنين الماضي.

وكشف مدير مصنع كوابل السيارت "دراكسلماير" في محافظة سليانة (شمال غرب)، محمد رابح، أن المصنع استأنف نشاطه بـ1200 عامل من مجموع 4200 عامل. 

وأشار رابح في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية "وات" إلى أن إدارة المصنع وفرت جميع ضمانات الوقاية وسمحت للعمال باستئناف الشغل. 

ولا يشغل هاجس كورونا عمّال تونس، بقدر انشغالهم بالمحافظة على أرزاقهم التي باتت مهددة بأكبر أزمة اقتصادية تمر بها البلاد منذ أكثر من 6 عقود.

وأظهرت رسالة وجّهتها الحكومة التونسية إلى صندوق النقد الدولي، قبل أيام، أن قطاع السياحة مهدد بخسائر قد تصل إلى أربعة مليارات دينار (1.4 مليار دولار)، وفقدان 400 ألف وظيفة بسبب تداعيات الوباء، متوقعة أن ينكمش الاقتصاد بأكثر من 4.3 في المائة خلال العام الجاري، في أسوأ ركود منذ استقلال البلاد في 1956.

يؤكد عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية) منير حسين، أن محافظة سوسة التي تعد قطبا صناعيا مهما عادت إلى الإنتاج بطلب من عمّالها الذين تشبثوا بمواصلة الشغل توقيا من شبح البطالة.

وأضاف حسين في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تلكؤ بعض المؤسسات في دفع رواتب شهر إبريل/ نسيان الماضي عجّل برغبة العمال بالعودة إلى العمل رغم تحذيرات وزارة الصحة من إمكانية تسجيل موجة إصابات جديدة.

واعتبر حسين أن تباطؤ الدولة في صرف المنح الاجتماعية لفائدة العمال المحالين على البطالة الفنية وضعف المنظومة الاجتماعية في البلاد يدفعان بالشغالين إلى ترتيب خياراتهم التي يحتل فيها كسب الرزق المرتبة الأولى قبل الصحة.

وبيّن عضو منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن انعكاسات الجائحة الصحية كان لها وقع كبير على الفئات الاجتماعية الهشة التي تضررت من توقف العمل، وضعف آليات الإحاطة الحكومية بهذا الصنف من العمال.

وأفاد بأن أغلب المصانع في محافظة سوسة استأنفت عملها بطاقة تشغيلية تفوق الـ50 في المائة التي سمحت بها الحكومة، مؤكدا أن العودة للعمل كانت طوعية وبطلب ملح من الشغالين في أغلب الأحيان.

والإثنين الماضي، عادت الحركة إلى أسواق تونس وجزء من مصانعها ومحلات المهن، مع بداية تطبيق مقتضيات الحجر الصحي الموجه الذي سمحت به الحكومة، حيث استأنفت قطاعات التجارة والصناعة والخدمات والأشغال العمل بنحو 50 في المائة من طاقتها التشغيلية، مقابل السماح بالنشاط الكامل لأصحاب المهن الحرة.

وبعد أكثر من 6 أسابيع من الحجر الصحي الشامل، عاد نحو 3 ملايين تونسي، إلى عملهم، في انتظار استكمال باقي الخطة الحكومية لرفع قيود الحجر التي ستمتد إلى حدود الأسبوع الأول من شهر يونيو/ حزيران القادم.

وتنشغل حكومة إلياس الفخفاخ، بأمر المؤسسات الاقتصادية المتعثرة، خوفا من زيادة نسب البطالة في الأشهر القادمة.

وتستعد الحكومة بالاتفاق مع منظمة رجال الأعمال للإعلان عن حزمة مساعدات جديدة لفائدة المؤسسات الاقتصادية التي ستكون مشروطة بالمحافظة على مواطن الشغل ومنها زيادة خط الضمان الحكومي مقابل الحصول على تمويلات بنكية من 500 مليون دينار إلى 1.5 مليار دينار، بحسب ما كشف عنه وزير المالية نزار يعيش.

غير أن الخبير في تطوير القطاع الخاص، شكيب بن مصطفى، قال في حلقة نقاش نظمها خبراء اقتصاد (أون لاين) إن الأسواق لن تشهد انتعاشاً، إلا في غضون سنتي 2021 و2022، وذلك في حال السيطرة على انتشار الفيروس خلال ثلاثة أشهر.

وأشار إلى أنه لا يمكن لتونس تجاوز الأزمات في وقت وجيز نظرا لهشاشة المنظومة الاقتصادية وخاصة المؤسسات الصغرى.

المساهمون