عمل المؤرخ وكوفيد-19: هل يعيد التاريخ نفسه دائماً؟

عمل المؤرخ وكوفيد-19: هل يعيد التاريخ نفسه دائماً؟

01 اغسطس 2020
أحد شوارع نيويورك أثناء الحجر
+ الخط -

يعرف المؤرخون الكثير عن الأوبئة وقد كتبوا عن تاريخها بشكل موسع عبر الزمن والثقافات. ولكن ما الذي يمكن أن تفعله هذه المعرفة المتراكمة لمساعدتنا اليوم؟ كيف يمكن للمؤرخين استخدام ما نعرفه لتحليل ما يحدث الآن؟ كيف يمكننا استخدام هذه المعرفة لتوقع ردود الفعل والسياسات العامة بل وحتى تشكيلها؟ وهل يعيد التاريخ نفسه دائماً؟

في نيسان/ أبريل الماضي، طرحت المؤرخة الأميركية ماري ليندمان (1949) سؤالاً في مقال نشرته بعنوان "المؤرخ والفيروس"، وقالت آنذاك: "يعرف المؤرخون الكثير عن الأوبئة في الماضي البعيد والحديث، لكن هل لدينا دور شرعي نلعبه الآن؟ ربما كانت وظيفتنا الأولى هي الحماية من المقارنات والتشبيهات المتسرعة، ومحاربة الذعر بالأدلة والسياق"، وتضيف "في هذه اللحظة، المؤرخون شهود عيان. وقت التحقيق التاريخي الدقيق لمرض رئيسي وتأثيره يكمن في المستقبل".

يمكن للمؤرخين المساعدة في تفسير سبب تفاعل بعض الثقافات والمجموعات والأفراد مع الأوبئة بطرق معينة

ولكن ما هو عمل المؤرخ اليوم؟ ترى ليندمان أنه وفي حين يمكن للعلماء والأطباء وصف كيفية انتشار الأوبئة والأمراض، يمكن للمؤرخين المساعدة في تفسير سبب تفاعل بعض الثقافات والمجموعات والأفراد مع الأوبئة بطرق معينة؛ مدى صعوبة أو سهولة تغيير هذه الطرق؛ أو لماذا يكون للخوف والكراهية في كثير من الأحيان جذور أعمق من رعب العدوى. 

اليوم، ينقسم المؤرخون في العالم إلى اتجاهين؛ الأول يرى ضرورة الكتابة الآن وهنا عما يمر به العالم اليوم، والثاني يرى أنه من السابق لأوانه الكتابة عن أزمة مستمرة، لا يمكن التأريخ للأزمة بمقارنتها مع الكوليرا في بدايات القرن العشرين ولا بالبحث في أرشيف طاعون القرن السادس عشر. 

ولكن هذا ما حدث فعلاً حين اندفع الصحافيون والكتّاب والمؤرخون يطلبون أرشيف جامعة كالفيورنيا عن انفلونزا 1918، كأنهم يبحثون عن أدلة يتعلمون منها، لكن الصادم أن أرشيف الجامعة كان فقيراً إلى أبعد حد، بحسب مقال نشرته "سي إن إن" أمس الأول وفيه صورة واحدة فقط من تلك التجربة الكبيرة.

مؤرخون يدعون الناس لتدوين يومياتهم بهدف توثيق التجربة العاطفية وتأريخها

المؤرخون والمكتبات بل وحتى المتاحف في أميركا، وجهت دعوة إلى الناس تطلب منهم توثيق ما يشعرون ويمرون به، بحسب "سي إن إن" بهدف توثيق التجربة العاطفية وتأريخها، هذه التجربة التي غالباً ما يتم استبعادها من التاريخ الرسمي، وهناك اتجاه لأرشفة يوميات وتدوينات الناس في هذه الفترة بهدف دراسات أوسع لاحقاً. 

رغم ذلك وفي صحيفة "نيويورك تايمز"، حذرت الكاتبة سلون كروزلي من تعجّل الكتّاب في تناول الجائحة، ورأت أن هناك اندفاع كما لو أن على الجميع أن يسلم تقريره ويومياته قبل أن تنتهي الأزمة، لكنها تلفت في الوقت نفسه إلى أن طبيعة المأساة هي أنها تأخذ أكثر مما تعطي، لكنها أنتجت أيضًا بعضًا من أكثر الأعمال الأدبية شهرة. فقد جلب الكساد الكبير رواية "عناقيد الغضب"، وألهمت محاكم التفتيش الإسبانية ثيربانتس. وحتى شكسبير كتب وهو تحت الكارنتينا. لكن كتابة الأدب واليوميات شيء والتاريخ شيء آخر. 

من جهة أخرى، حتى اليوم لم تطرح مبادرات عربية لافتة في سياق تأريخ اللحظة وتوثيقها، لم تعمل المؤسسات الثقافية ولا الأكاديمية على تسجيل التجارب المختلفة وتدوينها كسجلات للدراسات الثقافية والسوسيولوجية مثلاً. ما هو مطروح فعلاً هي مبادرات الكتابة الإبداعية الفردية، من تسجيل اليوميات والشهادات للكتاب والأدباء على حساباتهم الشخصية في وسائط التواصل الاجتماعي، لكن ما يمكن التطلع إليه هو مباردة مؤسسية تسعى إلى رصد الظاهرة وقراءتها وصناعة أرشيف لها يمكن للباحثين لاحقاً الوصول إليه.

 

آداب وفنون
التحديثات الحية

المساهمون