عملية سيناء الشاملة... مصريون يواجهون كارثة إنسانيّة كبرى

عملية سيناء الشاملة... مصريون يواجهون كارثة إنسانيّة كبرى

22 فبراير 2018
من مجزرة مسجد الروضة في نوفمبر الماضي (فرانس برس)
+ الخط -
سكان محافظة شمال سيناء لا يُحسدون على ما يخبرونه اليوم. الأمر ليس بجديد، غير أنّ العمليّة العسكرية الموسّعة التي انطلقت في التاسع من فبراير/ شباط الجاري، تحت عنوان "العملية الشاملة - سيناء 2018"، تضيّق الخناق عليهم بطريقة غير مسبوقة

تقترب العملية الشاملة التي ينفّذها الجيش المصري في محافظة شمال سيناء من أسبوعها الثاني، وسط تفاقم واضح في الأوضاع الإنسانية والمعيشية لعشرات آلاف السكان الذين يعانون من حصار مشدّد فُرِض عليهم بعد إغلاق الطرقات المؤدية من المحافظة وإليها وتشديد الحركة على محاور المدن الرئيسية. وما يزيد القلق على مصير السكان عدم وجود سقف زمني للعملية العسكرية أو حدود لها.

وتنقسم المحافظة في سوء الأوضاع المعيشية إلى قسمَين. القسم الأول من مدينة العريش إلى مركز بئر العبد، ويحاول الجيش سدّ رمق المواطنين فيه من خلال كميات من المواد الغذائية والخضار التي تبيعها أجهزته للمواطنين. أمّا القسم الثاني فهو شبه ملغيّ من حسابات الدولة وأجهزتها التنفيذية، ويشمل مدن رفح والشيخ زويد وبعض أجزاء وسط سيناء التي لم تصل إلى غالبية قراها أيّ مواد غذائية أو أدوية، في حين تُمنع حركة المواطنين كلياً خارج منازلهم للأسبوع الثاني على التوالي.

على الرغم من أنّ القسم الأول هو الأوفر حظاً، إذ تصل إليه كميات قليلة من الأغذية، إلا أنّ أزمة الوقود والغاز أنهكت المواطنين مثلما هي الحال في بقية مدن محافظة شمال سيناء. فقد فرغت محطات الوقود وسيارات المواطنين من أيّ كميات من المحروقات، الأمر الذي أدخل مدن المحافظة في حالة من الشلل شبه التام وأعاد المواطنين إلى عربات "الكارو" التي تجرّها الدواب وإلى الدراجات الهوائية، في حين راحوا يشعلون النار للطهي مستعيضين بالخشب وما إليه عن الغاز الذي اختفى في المحافظة منذ بدء العملية.

الحاج زياد أبو النور، من حيّ السمران في مدينة العريش، يشكو لـ"العربي الجديد"، سوء الأحوال المعيشية التي تعيشها أسرته المؤلّفة من 13 فرداً. ويقول إنّ "الغاز المنزلي نفد لدينا وقد اتجهنا إلى إشعال النار للطهي. كذلك فإنّ فكري مشغول بحال ابني الذي انقطع عن دراسته في مدينة الإسماعيلية، إذ لم يعد قادراً على مغادرة المحافظة بعد إغلاق الجيش معديات القناة بالإضافة إلى الكمائن (الحواجز العسكرية) الرئيسية على طريق القنطرة - العريش منذ بدء العملية العسكرية".



وكان الجيش المصري قد بدأ، يوم الجمعة في التاسع من فبراير/ شباط الجاري، عملية عسكرية هي الأوسع في سيناء بهدف مجابهة تنظيم ولاية سيناء الموالي لتنظيم داعش، وكذلك السيطرة الأمنية الكاملة على محافظة شمال سيناء ودلتا مصر، في حين تكبّد الجيش خسائر بشرية فاقت العشرين قتيلاً، من بينهم ضباط وعشرات الجرحى، عدا عن الخسائر المادية. وقد أعلن بعد 11 يوماً على بدء العملية، القضاء على عشرات المسلحين واعتقال المئات واستهداف مئات المواقع في سيناء.

صورة من قطاع غزة لدخان متصاعد من سيناء أخيراً (سعيد خطيب/ فرانس برس 


ويشير الحاج أبو النور إلى أنّ "ما تشهده مدينة العريش ومحافظة شمال سيناء من حصار وتردّ في الوضع المعيشي، لم يحصل من قبل حتى في فترة الاحتلال الإسرائيلي"، مبدياً استغرابه من دخول السلطات المصرية في عملية عسكرية بهذا الحجم من دون تأمين مواطنيها ومنحهم فرصة لتموين أنفسهم بالمواد الغذائية لفترة كافية. يضيف: "نحن مع الدولة لإنهاء الإرهاب، لكن ليس على حساب غذاء أطفالنا ودراسة طلابنا. العملية الشاملة لم تراعِ حياة المواطنين ومصالحهم بالطريقة المطلوبة".

وفي مستشفى العريش العام، التقى مراسل "العربي الجديد" بطبيب متخصص في الأمراض النسائية والتوليد، أبدى انزعاجه الشديد من رفض القوات المسلحة المصرية وصول سيارات الإسعاف إلى مناطق مختلفة من مدينتَي رفح والشيخ زويد، لنقل حالات ولادة مستعجلة. ويوضح الطبيب الذي تحفّظ عن الكشف على هويته، أنّ "زملائي الأطباء في مستشفى رفح العام أبلغوني بنفاد شبه تام للأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفى، وأنّ الأطباء بغالبيتهم يسكنون خارج المدينة وهم عاجزون عن الالتحاق بالمستشفى منذ بدء العملية العسكرية".

ويشير إلى أنّ "وزارة الصحة ووكيلها في المحافظة لا يتواصلان مع الفرق الطبية الموجودة في مدينتَي رفح والشيخ زويد، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية وإنسانية سوف تَلحق بآلاف المواطنين المحتاجين إلى الرعاية الأولية والطبية بشكل شبه يومي، من الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، ومن إصابات طارئة بسبب العمليات العسكرية المستمرة في مناطق واسعة من المدينتَين".

ولا يقتصر سوء الأوضاع على البشر فحسب، فآلاف الدواب والطيور باتت مهددة بالموت في مدن محافظة شمال سيناء كلها، في ظل منع إدخال الأعلاف منذ بدء العملية العسكرية، الأمر الذي ينذر بكارثة سوف تصيب قطاع التربية الحيوانية في المحافظة وتنعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية لعشرات مربّي الحيوانات في مدن المحافظة.



يقول تاجر مواش، فضّل عدم الكشف عن هويّته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "كل محاولات التنسيق لإدخال سيارات الأعلاف إلى مدن رفح والشيخ زويد والعريش باءت بالفشل، إذ ترفض قوات الجيش إدخالها بزعم الخوف من تهريب أيّ مواد أو أسلحة من خلالها إلى الجماعات المسلحة". ويشير إلى أنّ "التجار اقترحوا شراء الأعلاف من الأجهزة التنفيذية للدولة وتسلّمها عن طريقها وليس عبر الشراء المباشر والنقل عبر التجار أنفسهم، لكنّ هذا الاقتراح قوبل بالرفض كذلك".

وعن الأوضاع المعيشية في مدينة رفح التي تُعَدّ الأسوأ بالمقارنة مع بقيّة مدن محافظة شمال سيناء، يقول مصدر مسؤول في مجلس المدينة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عشرات الاستغاثات من سكان قرى المدينة خصوصاً المناطق الجنوبية والغربية، وصلت إلى عدد من المسؤولين في المدينة سواء من بقوا فيها أو انتقلوا إلى العريش. وتطالبهم تلك الاستغاثات بضرورة التحرّك لإنهاء حصارهم وتوصيل المواد الغذائية إليهم، في ظلّ رفض الجيش لتحرّك أي مواطن من منزله في كل مناطق مدينة رفح". يضيف المصدر نفسه أنّ "قرى كاملة يعيش فيها المئات لم تدخل إليها أيّ مواد غذائية ولا حتى خضروات منذ ما قبل بدء العملية العسكرية، بسبب حالة الإغلاق التام لمداخل المدينة وحظر التجوّل لساعات طويلة"، مؤكداً أنّ "مجلس المدينة لا يستطيع، كذلك الأمر بالنسبة إلى المحافظة نفسها، الضغط على الجيش في سبيل فتح الطريق أمام نقل المواد التموينية إلى المواطنين، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية حقيقية خلال الأيام المقبلة، ما لم تتدارك الجهات المعنية الموقف".