عملة بيتكوين.. شكل جديد من القرصنة

عملة بيتكوين.. شكل جديد من القرصنة

26 يونيو 2017
(أولستين بيلد )
+ الخط -
في الشهر الماضي، تعرّضت مؤسّسات حكومية وخاصّة في أكثر من 90 بلدًا لهجومٍ إلكتروني وُصف بأنه الأكبر من نوعه في التاريخ، ولم يستطع أحد إثبات ارتباط أي حكومة بالهجوم أو حتى الاقتراب من تحديد هوية المهاجمين، وعلى عكس الهجمات المعتادة لم يكن الهدف تسريب البيانات أو تخريبها، إنما حجزها ومنع المستخدم من الوصول إليها، والمطالبة بفدية قيمتها ما يساوي 300 دولار من عملة بيتكوين الإلكترونية، احتجاز البيانات مقابل فدية عادةً يستهدف المعلومات التي تثبت مخالفات قانونية على صاحبها وبالتالي يعجز عن تبليغ السلطات أو دفعها لتعقّب المهاجمين، ولكن هذه المرّة كانت البيانات عادية متعلقة بأعمال قانونية وحتى روتينية في بعض الأحيان، ما الذي تغير هذه المرّة ومكن "القرصان" من طلب الفدية بدلًا من سرقة البيانات وبيعها؟

الحكومات خارج اللعبة
في سنة 2009، تأسّس بروتوكول عملة بيتكوين، على يد شخص عرف عن نفسه تحت الاسم المستعار ساتوشي ناكاموتو، وقد بدأت بقيمة تساوي صفرًا تقريبًا، واستمر ذلك حتى أبريل/ نيسان 2010 حين بلغت قيمة حقيقية لأوّل مرة بعد إطلاق موقع bitcoinmarket وهي 0.003 دولار، ومنذ ذلك الحين ترتفع قيمة هذه العملة وتنخفض بشكلٍ جنوني، بدءًا من الفقاعة الأولى في الثامن من تموز/ يوليو 2011 حين بلغت قيمتها 31 دولارًا لتنخفض من جديد إلى دولارين بعد أقل من ستة أشهر، وحتى الشهر الماضي حين حقّقت رقمًا قياسيًا جديدًا بلغ حوالي 2,000 دولار.

بعيدًا عن التفاصيل التقنية المعقّدة، هناك مبدآن أساسيان يحكمان التعامل عبر بيتكوين يسهّلان استغلالها في عمليات القرصنة، الأوّل هو التحويل من الند للند (peer-to-peer) والذي يعني عدم وجود وسيط فعلي يجري عملية التحويل بين الطرفين، والمبدأ الثاني هو الخصوصية (أو التعمية)، حيث لا يمكنك أن تعرف صاحب عنوان (أو حساب في قاموس المصارف التقليدية) دون أن يزودك هو به، وفي ظل عدم وجود سلطة مركزية تدير العملة والبروتوكول الخاص بها، فإنه من المستحيل تقريبًا ملاحقة أموال متداولة بعملة بيتكوين أو الحجز على هذه الأموال.

هذان المبدآن، جعلا من المستحيل تقريبًا على الحكومات في الهجمات الأخيرة ملاحقة أموال الفدية التي دفعها البعض لاسترجاع بياناتهم، أو تجميد الحسابات التي حُوّلت إليها، وبالتالي فإن استخدام عملة بيتكوين كوحدة مقايضة بدلًا من العملات التقليدية أخرج الحكومات من اللعبة، وجعل التعاملات المالية على الإنترنت أكثر تحرّرًا من الرقابة من أي وقتٍ مضى، دون الحاجة إلى جنان ضريبية أو ما شابه من الملاجئ المالية المعتادة لإخفاء الأموال "القذرة".


مستوى جديد من القرصنة
كي تجني أموالًا عبر حجز البضائع، كان عليكَ أن تملك قاربًا في الصومال – مثلًا – وأسلحة ورجالًا يكفون لاختطاف ناقلة نفط أو باخرة بضائع، وتنتظر بعد ذلك دفع الشركة مالكة السفينة لفدية مقابل إطلاق سراح السفينة وبضائعها، لكن عبر هذا الأسلوب كانت الكثير من الأعمال تعتبر في مأمن من القرصنة من هذا النوع، ليست بمأمن بالتأكيد من القرصنة الهادفة للتخريب أو سرقة البيانات أو تسريبها، ولكنها بمأمن من القرصنة القائمة على مبدأ الاحتجاز والفدية لعدم جدواه، إذ سيتطلب الأمر تحويل أموال الفدية لحسابات تمكن ملاحقتها بوجود بعض الثقل المعنوي للشركة المستهدفة.

مع ظهور بيتكوين – التي ليست العملة الإلكترونية الوحيدة في العالم – أصبح الأمر ممكنًا، إذ يكفي أن تحجز مثلًا بيانات المستخدمين التي في حال فقدانها ستنهار الشركة المستهدفة، وسيكون على الشركة أن تحوّل الفدية إلى عنوان معروف لكن دون أن تتمكّن بالضرورة من معرفة صاحب العنوان – إن لم يكن قد صرح بعنوانه لأحد سابقًا – ودون أن تتمكّن من الشكوى لأي سلطة قضائية لاسترجاع هذه الأموال أو حجزها، وبالطبع فإن الشركات الصغرى هي المرشّح الأوّل للقرصنات الجديدة، سواءً لعدم امتلاكها نسخًا احتياطية محدثة من البيانات المحجوزة، أو لعدم قدرتها على تطوير أنظمة الأمان لديها بشكل مستديم يغلق الثغرات التي قد تحدث هذه الهجمات عبرها.

مستوىً آخر من القرصنة بات ممكنًا عبر التزاوج بين عملة بيتكوين والقرصنة الإلكترونية، إذ يمكنك إن استطعت قرصنة حسابات مصرف أو سوق مالية ما، القيام بعدة عمليات تتيح في النهاية تحويل الأموال المنهوبة إلى بيتكوين وتحويلها إلى حسابك (أو حساباتك)، سيكون من السهل معرفة العنوان/ الحساب الذي حُوّلت إليه هذه الأموال، لكون قاعدة بيانات بيتكوين متاحة للجميع تقريبًا (دون ذكر هويات أصحاب العناوين)، ولكن الجزء الصعب هو حجز هذه الأموال أو استرجاعها، إذ لا يملك أحد هذه الصلاحية ولا توجد سلطة مركزية يمكن إلزامها بذلك، والأهم لا يمكن لأي حكومة أو حتى حكومات العالم مجتمعةً أن توقف تداول العملات الإلكترونية أو منع التداول عبرها، إذ يمكن للحكومة إن اكتشفت هويتك أن تسجنكَ أو تمنعك من العمل أو الكثير من الخيارات التي لا يتضمّن أي منها حجز أموالك أو إجبارك على إعادتها.


ورطة لا رجعة عنها
على عكس ما يبدو الأمر، فإن هذه العملات الإلكترونية باتت تملك مصداقية متزايدة يومًا بعد يوم، يمكنك في هذه القائمة أن تجد المؤسّسات التي تقبل الدفعات والتبرّعات بعملة بيتكوين، ومن بينها كبريات الشركات العالمية مثل ووردبرس ومايكروسوفت وديل وويكيبيديا وحتى مؤسّسة "أنقذوا الأطفال" (save the children) البريطانية، وإن كان يمكن للحكومات منع أسواق (وسطاء) البيتكوين من إبدالها بنقود تقليدية، فإن ذلك لا يعتبر عائقًا حقيقيًا، إذ يمكنك أن تحوّل "بيتكويناتك" إلى حساب آخر وإعادة تحويله إليك كنقود عادية، أو حتى فتح حساب في بنك خارج حدود دولتك.

لا يمكن من حيث المبدأ منع أو إلغاء العملات الإلكترونية لأنها أساسًا تستمد قيمتها من توافق مستخدميها، وبالتالي سيتطلّب الأمر لإيقاف عملة بيتكوين إقناع أصحاب حوالي 14.5 مليون عنوان بالعدول عن استخدامها، وحتى لو تمّ ذلك، هناك 60 عملة إلكترونية أخرى على الأقل، من بينها ست توصف بأنها رئيسية، أي يتمّ التعامل بها على نطاق واسع عالميًا، ومن المخاطر الكبرى المحيطة بهذه العملات هو غموض مصدر قيمتها، فرغم اتساع تداولها عالميًا لا يمكن استحداث المزيد من البيتكوينات بسهولة، كونها تعتمد عملية التنقيب دون أن تكون هناك جهة مركزية تصدرها حسب الحاجة، وبالتالي فإن ارتفاع قيمتها بشكل جنوني في الأعوام المقبلة أمرٌ شبه حتمي مع الإقبال المرتفع عليها مقابل ارتفاع محدود جدًا للمعروض "النقدي"، وانخفاض قيمتها بشكل جنوني ممكن أيضًا مع عمليات تنقيب تنجح في إنتاج بيتكوينات أكثر من الحاجة.

تمكّن ماركوس هاتشينز ذو الـ22 عامًا من إنقاذ أكثر من 200 ألف مؤسّسة من الهجمات الأخيرة، ولكن في المرّة المقبلة قد لا نجد المنقذ من هذه الهجمات، خصوصًا أن العديد من الفايروسات والبرامج الخبيثة المماثلة يتمّ تطويرها يوميًا من قبل أجهزة المخابرات (الهجمة تمت عبر نسخة مطورة من CryNow الذي طوّرته وكالة الأمن القومي الأميركية)، وفي ظلّ وجود إطار مالي يسمح بالحصول على الفدية دون ملاحقة أو تعطيل، قد يتمكّن قريبًا شخص أو مؤسّسة لا نعرف هويتها حتى بجني أموال تفوق الناتج القومي لدول بأكملها، أو التسبّب بانهيار خدمات تعتمد عليها الكثير من الأعمال حول العالم.

المساهمون