عمر صحافي... لا صحابي!

عمر صحافي... لا صحابي!

18 اغسطس 2020
+ الخط -

"وإن سألوك عن العدل. قل مات عمر". واحدة من المآثر الحقوقية التي يفتخر بها المسلمون في بناء القيادي الصالح بغية تأسيس نظام صحيح. لكن في المغرب أصبح عمر ضحية هذا العدل، بعدما كان هو أصله وواجده؛ وذلك حين اعتقل الصحافي "عمر الراضي". 

العدل هنا بالمعنى الشامل كونه خصلة أخلاقية، قيمة قانونية،  خاصية اجتماعية تحفظ سير الأفراد والمجتمعات مع ضمان تماسكها وتطورها. هذا الأمر لم تحترمه السلطات وهي تحارب شخصا معزولا إلا من قلمه وغطائه الحقوقي الظاهر في فروة رأسه الأشعث و لحيته المتناثرة. وذلك حين اتهمته بالسكر العلني والعنف. واقعة كان المراد منها مغايرا بطعم الانتقام المحض، يتعلق بتقرير "أمنستي" الذي كشف عن تجسس الدولة المغربية بواسطة برنامج "بيغاسوس" ذي الجينات الإسرائيلية على هاتف عمر.

يتم اللجوء لأعداء محتملين ووهميين لتصل الرسائل إلى أولئك الذين ينوون مسك أقلامهم أو تسخين ألسنتهم لنطق الحق

حدث الاعتقال والاستدعاءات التسعة المتوالية تعني أننا أمام جُبنِ حتى في مواجهة الخصوم والتحديق في أعينهم مباشرة. بدل هذا الاستهداف بالتهم الأخلاقية والجنسية التي تلصق بالصحافيين  المعتقلين وكأن " قلمهم"  الجنسي هو الشيطان الأكبر. يبدو أن الدولة تهاجم البشر في شرفهم وكأنها عذراء، غراء، بَراءٌ من أي بقعة ظلم، ذنب أو دم. كان عليها حفظ قاعدة ذهبية أن من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة.

عوض ذلك تمادت في الضرب الثقيل اتجاه صحافي عُرف بتحقيقاته الفاضحة لبعض بؤر ورؤوس الفساد و هي جرأة تدخل في خانة المحرمات، كان ثمنها متابعته بتهمة التخابر مع دول أجنبية و تلقي حوالات مالية شهرية. أمر لا سلطة أو حق لنا على نفيه أو إثباته. لكن الثابت أن شخصا مثله منفردا بدون خلفية إيديولوجية متطرفة أو تنظيم سياسي قوي في معارضته ليس بحاجة لتهمة بهذا الثقل، سيكون الحكم بصددها قاسيا. ولنا في التاريخ القريب لصحافيين عاشوا نفس مصير الإقبار الحجة الدامغة.

تلك إشارة أن السلطة لا بد لها من إيجاد عدو تثبت ضده جدارتها. ومع غياب شجاعة وخطة لمحاربة الفساد باعتباره العدو الحقيقي. يتم اللجوء لأعداء محتملين ووهميين لتصل الرسائل إلى أولئك الذين ينوون مسك أقلامهم أو تسخين ألسنتهم لنطق الحق. خطوة و إن تمت والحق يقال فلن تغير من واقع الحال شيئا، إلا بمقدار أن الحرية تتوق للإعلان عن نفسها حتى مع حالة اختناقها الشديد. ما استوجب مقاربة حقوقية أو حتى إنسانية بدل هذا التجبر الزجري.

كان عليكِ سيدتي الدولة أن تغفري لأبنائك، بمن فيهم العاقون. طَبْطِبِي عليهم بالحرية والشغل والكرامة كي يعودوا لرُشدهم، لأنكِ في آخر المطاف أكبر منهم عُمْرا و مرتبة. تذكري حكاية عمر بن الخطاب حين صادف شابا شقيا يتأبط تحت ردائه قارورة خمر. فدعا الأخير الله خالصا أين يُنجيه من الموقف واعدا بالثوبة. عندما كشف عن القنينة وجد أنها تحولت إلى خلِ، فكانت تلك ثوبته. نعم وقع ذلك في عهد أمير المؤمنين.. أمير المؤمنين أتسمعينني..