عمال مصر... رأسمال الثورة "المعطّل"

عمال مصر... رأسمال الثورة "المعطّل"

15 مايو 2015
+ الخط -
كان عمال مصر إحدى القوى الحية المؤثرة في ثورة 25 يناير، ولولا الإضراب الذي نفذه العمال في قطاعات الدولة كافة في الأسبوع الثالث للثورة، لما سقط نظام حسني مبارك. ومنذ قيام الثورة، لم تتوقف الاحتجاجات العمالية، بل ازدادت وأصبحت أكثر، بسبب عدم تحقيق مطالب عديدة مشروعة للعمال. ومنذ انقلاب الثالث من يوليو، لم تتوقف حركة الاحتجاجات، على الرغم من التضييق الأمني وإغلاق المجال العام أمام كل أنواع الحراك السياسي والاجتماعي. 
بحسب تقرير "الحالة العمالية في مصر" الصادر عن مركز "المحروسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن عدد الاحتجاجات العمالية في الربع الأول من العام الحالي وصل إلى حوالى 393 احتجاجاً في مختلف قطاعات العمل، خصوصاً المصانع والشركات. ولم تتوقف هذه الاحتجاجات عند قطاع معين، وإنما شملت معظم قطاعات الدولة، كالقطاع الصناعي والتجاري والتعليمي والطبي والزراعي، بل والأمني أيضا، وهو ما يعكس حجم الفشل السياسي والإداري في التعاطي مع مشكلات العمال ومطالبهم. ولا تزال الدولة تتعاطى مع العمال بالطريقة نفسها التي كان يتعاطى بها نظام مبارك، وهي التجاهل واللامبالاة. وقد شهدنا، أخيراً، محاولات لفرض قيود قانونية وتشريعية على حقوق العمال في الإضراب، على غرار القرار الذي أصدرته، أخيراً، المحكمة الإدارية العليا بشأن تجريم الإضراب وإحالة العمال والموظفين المضربين إلى المعاش المبكر، في إجراء لا يعرف له العالم مثيلاً، فالإضراب حق أصيل من حقوق الإنسان العامل، وتم النص عليه في كل المواثيق والاتفاقات الدولية الخاصة بالعمال.
وإذا كانت هناك رسالة من هذه الاحتجاجات، فهي الفشل الذريع في علاج الجذور الحقيقية للأزمة العمالية في مصر، والتي تبدو ممتدة من أكثر من عقدين. ولا يختلف نظام السيسي عن نظام مبارك في التعاطي مع هذه المسألة، إن لم يكن أسوأ. فالنظام الحالي لم يتجاهل فحسب مطالب العمال، وإنما أيضا يبدو أنه يحتقر مطالبهم، وكأنها غير موجودة، وهو ما وضح خلال احتفالات عيد العمال، فقد كانت المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال بعيد العمال داخل "أكاديمية الشرطة"، وبحضور رجال الأعمال من دون العمال والموظفين الحقيقيين. واكتفى النظام بدعوة العمال الموالين له وللدولة، على غرار ما كان يفعل نظام مبارك الذي أفسد الاتحاد العام للعمال، واشترى ولاءه وولاء قياداته.
قبل يومين، كنت أستمع لندوة عقدها "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" الذي يديره الناشط السياسي والحقوقي، خالد علي، وكانت تناقش الاحتجاجات العمالية والتهم الملفقة للمحتجين والمضربين والمحالين للمعاش. وحضر المؤتمر عدد من القيادات العمالية النشيطة، مثل كمال الفيومي، عن شركة غزل المحلة، والقائد العمالي، أحمد محمود، من قطاع النقل العام والذي تحدث بطريقة تعكس وعياً عمالياً وسياسياً راقياً. وقد أبهرني حديث الرجل وقدرته على الربط بين المطالب العمالية والمظالم السياسية، وكيف أن النظام السلطوي الحالي مسؤول بشكل كبير عن أزمات العمال، بسبب تجاهله وتعسفه في التعاطي معهم، بل وصل الأمر إلى مهاجمة "عم أحمد"، كما يطلقون عليه، النظام وقائده، والتأكيد على الاستمرار في الاحتجاج، حتى يتم تغيير هذا الوضع. كما تحدث بعد ذلك متضررون من الأوضاع الحالية، خصوصاً في مجالاتهم، مثل الزملاء الصحافيين الذين تم فصلهم من وظائفهم تعنتاً وقسراً، ويتجاوز عددهم 500 صحافي. وكان حديث المحامي والناشط الحقوقي اليساري، هيثم محمدين، واعياً وذكياً، حول كيفية استغلال رجال الأعمال ورأس المال العمال، وعدم اكتراثهم بمطالبهم.
لا تزال القوة العمالية إحدى القوى المؤثرة في معركة الثورة، ولن تنجح أية محاولة لتغيير النظام الحالي من دون تنشيط هذه القوة المنسية وتفعيلها.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".