عماد الدين المنتصر لـ"العربي الجديد": ملاحقة حفتر قضائياً انطلقت

عماد الدين المنتصر لـ"العربي الجديد": ملاحقة حفتر قضائياً انطلقت

05 فبراير 2018
المنتصر:حفتر كان يتستّر بمكافحة الإرهاب لتحقيق أهدافه (العربي الجديد)
+ الخط -


يتحدث رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان، القيادي الليبي المقيم في الولايات المتحدة، عماد الدين المنتصر، في حوار مع "العربي الجديد"، عن الشكوى التي قدّمها للمنظمات الدولية ولوزارة العدل الأميركية ضد قائد قوات برلمان طبرق الليبي خليفة حفتر، مؤكداً أنها بدأت تؤتي ثمارها. ويشير إلى أنه "قدّم وثائق وأدلة مصوّرة ومسجّلة للمحكمة الجنائية الدولية ولوزارة العدل الأميركية تدين حفتر وقياداته، واصفاً إياه بأنه يدير منظومة "إرهابية" تمارس التصفية والقتل في ليبيا.
المنتصر، وهو قيادي ليبي له علاقات واسعة بالكونغرس الأميركي ووزارة العدل، يقول إن الشكوى "من دون شك ستحرّك ساكناً، طالما كانت معتمدة على القانون والحجة"، مؤكداً أنه سيظل يتابع القضية "حتى تصدر مذكرة القبض على الأب الروحي لهذه الجرائم والانتهاكات ألا وهو خليفة حفتر". إلى نص الحوار:

كيف جاءت فكرة تقديم شكوى ضد خليفة حفتر؟
بدأتُ في تجميع المعلومات عن خليفة حفتر منذ انقلابه على الحكومة المنتخبة في 2014. وفي شهر مارس/آذار من السنة الماضية تقدمتُ للمحكمة الجنائية الدولية بمذكرة متكاملة فيها تحليل مفصل للسوابق القانونية ذات الصلة ودراسة مفصلة للقوانين الدولية التي انتهكها حفتر وكمية ضخمة من الأدلة المكتوبة والمصورة والمرئية عن هذه الانتهاكات وتواريخها وأماكنها، وشملت المذكرة أسماء عسكريين وسياسيين موالين لحفتر الذين هم جزء من المنظومة "الإرهابية" التي يديرها.

وعلى ماذا اعتمدت في هذه الشكوى؟

قانونياً، اعتمدت على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية ولوائح مؤتمر جنيف 1949، وعلى أدلة موثقة لارتكاب حفتر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فبحسب المادة 25 من ميثاق روما المعتمد لدى المحكمة الجنائية الدولية، فإن حفتر مسؤول مسؤولية جنائية فردية وشخصية لأنه قام "بالأمر والتحريض على ارتكاب جريمة" و"قدّم العون لتيسيرها" و"أسهم في قيام جماعة من الأشخاص يعملون بقصد مشترك بارتكاب الجريمة". ولا يُعتد بصفته الرسمية ولا حصانة له لأن المادة 27 من القانون نفسه تؤكد "عدم الاعتداد بالصفة الرسمية"، والمادة 28 تجرّمه كقائد عسكري، فهو "مسؤول مسؤولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين"، وهو "قد علم، بسبب الظروف السائدة في ذلك الحين، بأن القوات ترتكب أو تكون على وشك ارتكاب هذه الجرائم"، وكذلك "لم يتخذ جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم". و"يُسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطته وسيطرته" أو "إذا كان الرئيس قد علم أو تجاهل عن وعي أية معلومات تبيّن بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم".

ما الأدلة الصريحة التي قدّمتها ضد حفتر؟
من ناحية الأدلة الصريحة الدامغة، فقد قدّمنا للمحكمة الجنائية الدولية ولوزارة العدل الأميركية جملة من الأدلة الوافية المُحكمة، منها: شريط مسجل لخليفة حفتر يأمر فيه مرؤوسيه بألا يُبقوا أحداً على قيد الحياة، وفي ذلك مخالفة صريحة لقانون روما الأساسي، وقدّمنا كذلك شريطاً مرئياً يأمر فيه حفتر مرؤوسيه بمنع الماء والدواء والهواء عن سكان مدينة درنة، وفي ذلك مخالفة صريحة للقانون رقم 53 و54 و56 لاتفاقية جنيف البروتوكول الإضافي رقم 2.
وعليه فإن الجاني الحقيقي هو خليفة حفتر، القائد العام والعقل المدبر والمشرف المباشر والمموّل الرئيس لمنظومة "الكرامة" الإرهابية. ولتوفر كل الشروط الآنف ذكرها، ولقيامه تكراراً وعلنا بإصدار الأوامر لمرؤوسيه باقتراف جرام حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.

وما علاقة وزارة العدل الأميركية بالأمر؟
الشكوى المقدّمة لوزارة العدل الأميركية تحوي تُهماً بالقيام بجرائم حرب وانتهاكات أخرى للقانون المحلي الأميركي على يد كل من خليفة حفتر وأبنائه الثلاثة: خالد وصدام والصديق، واحتوت الشكوى على ثلاثة مجلدات متضمنة أكثر من ثلاثمائة صفحة تحدد الانتهاكات للقوانين الأميركية، وتقدّم تحليلاً قانونياً يوضح تحقق أركان الجريمة وخلفية عن المتهمين، وتبويباً كاملاً لكمٍّ ضخم من الأدلة والقرائن على القيام بهذه الجرائم.



ما الخطوات المقبلة التي تتوقعونها في إطار الملاحقة القانونية؟

هذه الشكوى تمثّل الخطوة الأولى لعمل قانوني متعدد المحاور نقوم به في الساحة الأميركية ضد مرتكبي جرائم الحرب، وهنا نهيب بكل المتضررين وذويهم وأقرباء الضحايا والشهود بالتعاون مع السلطات الفدرالية الأميركية، وتقديم الشهادة والمعلومات والأدلة حتى نضمن تحقيق العدالة وإنزال القصاص. وستعمل مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان التي أرأسها على تنظيم تحرك المتضررين وتقديم النصح والمشورة لتمكينهم من ملاحقة المجرمين في المحاكم الجنائية والمدنية الأميركية، ونحن على ثقة بأن القضاء الأميركي يملك من السطوة ما يمكّنه من تقديم الجُناة للعدالة، وأن ينزل بهم القصاص، بالإضافة للحكم بتعويض الضحايا والمتضررين مادياً ومعنوياً.

هل لمست تعاطياً إيجابياً من قبل المؤسسات التي خاطبتها بشأن حفتر وقواته؟

نعم، هناك تعامل إيجابي كبير من منظمات المجتمع المدني الأوروبي والأميركي بخصوص جرائم حفتر، ونحن على تواصل مع معظم المؤسسات المعروفة، وطلبنا منها تقديم مذكرات قانونية للمحكمة الجنائية ولوزارة العدل الأميركية، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قدّمت مؤسسة Guernica 37 مذكرة للمحكمة الجنائية الدولية، وهناك منظمات أخرى تستعد لملاحقة حفتر سواء في أميركا أو أوروبا.

ما فائدة مثل هذه الشكاوى؟
هذه الشكاوى لها فوائد عدة، ومنها: تحفّز المحققين والبيروقراطيين في المحاكم بالإسراع في اتخاذ الإجراءات المناسبة، ولتدرك المحكمة أن هناك رقابة ومتابعة من المهتمين بسير التحقيق وضرورة التوصل لقرارات صارمة، وكذلك تشجيع الضحايا وأسرهم على التعاون مع المحققين، والأهم أن هذه الشكاوى ستؤدي إلى مثول المتهمين أمام المحكمة وتحقيق القصاص، وتحدّ من ظاهرة الإفلات من العقاب التي تسود الشرق الأوسط خصوصاً.

ذكر موقع "أفريكا أنتليجنس" البريطاني، أنك كنت وراء إصدار مذكرة الاعتقال بحق الضابط الليبي في قوات حفتر، محمود الورفلي. ما صحة ذلك؟
هذا كان استنتاج هذا الموقع حسب مصادرهم الخاصة، وما يمكنني قوله أني قدمت مذكرة مهنية متكاملة تشتمل على تحليل قانوني مستفيض وتبويب كامل للأدلة والبراهين، ومعلومات عن المتهمين سواء من يُسمى بالقائد العام أو الخلية "الإرهابية" التي تنفذ أوامره وتقتل بالنيابة عنه. وبعد تسليم مذكرة الشكوى هذه تابعت إرسال مذكرات إضافية وأدلة على أي جرائم جديدة ومطالب بالتحقيق وإصدار مذكرات القبض، وكانت آخر هذه الرسائل لرئيسة المحكمة الجنائية الدولية والمدعية العامة، مطالباً مجدداً بإصدار أمر قبض على خليفة حفتر وفاء لوعد قطعته على نفسها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ حين أعلنت أمام مجلس الأمن ما يلي: "لن أتردد في إصدار بطاقات ضبط وقبض جديدة إنْ استمرت جرائم الحرب في ليبيا".

وهل ترى مجرد شكوى من باحث ليبي يمكنها تحريك هذه المؤسسات بقرارات ضد حفتر؟
نعم ومن دون شك، طالما كانت الشكاوى معتمدة على القانون والحجة، والمحكمة الجنائية الدولية ووزارة العدل الأميركية كلتاهما تقبلان الشكاوى من الأفراد والمنظمات غير الحكومية، ولا يمكنهما تجاهل الأدلة والتحليل القانوني المرفق في الشكاوى التي قدمتها لهم، وهناك قضايا أخرى تمسّ نافذين في بلاد مختلفة لم يكن وراءها إلا النشطاء ومنظمات المجتمع المدني، وسنظل نتابع القضية حتى تصدر مذكرة القبض على الأب الروحي لهذه الجرائم والانتهاكات، ألا وهو خليفة حفتر.

وكيف تنجح مثل هذه الشكاوى؟
تنجح عبر التعامل الناجح معها، ويتضمن العمل الإعلامي والدبلوماسي والشعبي، فأنا على اتصال بمسؤولين في الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وكذلك بوسائل الإعلام حتى نكوّن المناخ السياسي والإعلامي المناسب لملاحقة خليفة حفتر الذي كان يتستّر بمكافحة الإرهاب، ويحاول خداع المجتمع الدولي حتى يصل لهدفه الوحيد وهو تأسيس إمبراطورية عسكرية عائلية على غرار تلك التي حكم بها معمر القذافي ليبيا على مدى نصف قرن.

وكيف ستوظف علاقاتك القريبة من مجلس الشيوخ ووزارة العدل الأميركية لمحاولة إصدار مذكرات قبض ضد حفتر؟
رسالتي لكل المسؤولين في واشنطن بسيطة وواضحة: من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية أن تكون في ليبيا حكومة منتخبة تحترم الحريات وتهتم بالتطور الاقتصادي والإنساني وتبني علاقات سياسية واقتصادية متينة مع الغرب، فالشعب الليبي تنفّس الحرية وضحّى من أجلها، لن يرضى بحاكم عسكري أبداً، وأؤكد لهم دائماً أن دعم خليفة حفتر هو دعم للدكتاتورية والفوضى وللحرب الأهلية، وأنا حالياً أحضر جلسة استماع في الكونغرس بخصوص انتهاكات حفتر، ولنبين الواجب الإنساني والقانوني الذي يتحتم على أميركا أن تقوم به.

ولماذا الاكتفاء بحفتر فقط. ألا توجد قيادات أخرى متورطة؟
بالطبع توجد قيادات سياسية وعسكرية متورطة مع حفتر، والقانون الدولي لا يفرّق بين من يقوم بالجرم أو من يقدّم الدعم المادي أو المعنوي، وكل أسماء هؤلاء أُدرجت في مذكرات الشكوى، لكن هناك سبباً مهماً للتركيز على خليفة حفتر، وهو أنه الرأس المدبر والأب الروحي لكل الانتهاكات، والجريمة المنظمة لا تنتهي إلا باجتثاث الرأس المدبر والأب الروحي.

البعض تحدث عن وجود غطاء دولي قوي سيمنع أي تحرك ضد حفتر. ما تعليقك؟

خاطبنا الاتحاد الأوروبي والحكومة الأميركية بخصوص التبعات القانونية للتعاون مع "مجرم حرب"، ولاحظنا أن هناك فتوراً في التعامل مع حفتر في الآونة الأخيرة، بل وتمت إدانة الجرائم التي قامت بها عصابات حفتر في الأشهر الماضية بإدانة قوية وصريحة، وحقيقة لن يضحي أي سياسي أوروبي أو أميركي بنفسه أو بحكومته من أجل عسكري لم يحقق شيئاً إلا القتل والتخريب.

وهل يساندك أحد كمؤسسات مثلاً، لدعم الشكوى المقدّمة منك؟
لم أحصل على مساندة فعلية من أي منظمة، وكل العمل قائم بإمكانات ذاتية وبالتعاون مع بعض الأفراد القليلين، وأناشد منظمات المجتمع المدني والحقوقيين والنشطاء، بل وكل الليبيين، أن يسهموا في دفع عدوان خليفة حفتر والمليشيات المارقة الأخرى. عدونا الأكبر هو اليأس والإحباط، وإن تغلبنا عليهما فالنصر حليفنا.