علي بابا.. والأربعون خيبة
كيف سمح المدعو جاك ماو لنفسه بسرقة (علي بابا)، العربي أصلاً وفصلاً، وجعله شعاراً لشركة التسويق الإلكترونية خاصته، ولتصبح في سنوات قليلة، أضخم شركات التسويق العالمية، بعد أن أصبحت تنافس "أمازون" بعظمتها، فتقدر قيمتها بحوالى 170 مليار دولار، ويعمل فيها أكثر من 22 ألف موظف في أكثر من 70 مدينة في العالم؟
أكرر: كيف سمح لنفسه أستاذ المدرسة هذا، ولم يكن راتبه الشهري يتجاوز 14 دولاراً، أن يفكر بتأسيس شركة ضحمة، شعارها (علي بابا)، وليصبح هو نفسه أغنى رجل في الصين، بثروة تتجاوز 24 مليار دولار؟
كيف تجرأ هذا الرجل الصيني، الذي فشل أكثر من ثلاث مرات في امتحان القبول الجامعي، على "نهب" أثمن شخصياتنا التاريخية (علي بابا)، بل وأصبح قادراً على فتح "مغارة السمسم" بكلمة سرٍّ لم يستطع العرب، طوال ألف عام، أن يفكّوا رموزها، على الرغم من أنهم الملّاك الحقيقيون لهذه الشخصية التي ظلت "خرافية" طوال تلك المدة، إلى أن جاء رجل، مثل ماو، ليحيلها إلى شخصيةٍ حقيقيةٍ، نابضةٍ بالحياة والثروة والشهرة، وليجعلها مثل بساط "سندباد"، الطائر فعلاً فوق رؤوسنا التي لم تعتد النظر إلى الأعلى مطلقاً، إلا حين تصطدم بأعمدة الكهرباء؟.. وذلك كله في غضون بضعة أعوام فقط؟
أو ربما علي أن أعكس السؤال، فأقول: كيف سمح العرب لأنفسهم بالتفريط في هذه الشخصية الثمينة، بكل تلك الرعونة والغباوة، لأقوام عرفوا وزنها الحقيقي، وتأثيرها في نفوس العملاء والمسوّقين على حد سواء؟
كنت أظنُّ أن العرب يفرطون بالأوطان والإنسان فقط. لكن، أن يفكروا بالتفريط بتاريخهم ورموزهم التراثية، فذلك ما لم أتوقعه ألبتة، خصوصاً أنهم لا يستندون إلا إلى هذا التاريخ سلاحاً وحيداً في مواجهة العالم المتحضر وغزو الحداثة. وكنت أحسبُ أن العرب سيهرعون، فور سماع نبأ هذه "السرقة" التاريخية، إلى أقرب مخفر "إنتربول" للمطالبة برأس الصيني ماو، وبإعادة (علي بابا) إلى ملكيتهم.
أما على الطرف الآخر، هناك، حيث يمتد سور الصين العظيم، يتمدد رجل عظيم آخر، يدعى جاك ماو، ينظر إلى تساؤلات العرب بدهشة، وينفرط قهقهةً كلما سمع بترّهات "التهمة" التي نطارده بها، ولسان حاله يقول: مساكين العرب، يعتقدون أنني سطوت على رمزهم التاريخي، علماً أن علي بابا هو من جاءني يوماً مهيض الجناح، بثوبه المغبر.. جاءني، في ذروة اندفاعي وطموحي للابتكار، ليقول لي: أنقذني، يا سيدي، من التاريخ العربي المتخم بالأساطير، اعتبرني دماغاً مهاجراً من بلاد لا تقدّر قيمة الأدمغة. تصور، يا سيدي، أن أبي الذي اخترع شخصيتي، قبل قرون، ما يزال مجهولاً؟ هو، يا سيدي، من اختار أن يظل مجهولاً، لأنه يعرف أن لا وزن للمبدعين العرب، عُرفت أسماؤهم أم جهلت، والأرجح أن أبي مات جوعاً وبرداً وقمعاً في بلادٍ لا تتقن غير العبث بأصابع أقدامها؟ خذني يا سيدي إليك، امزج إبداع أبي مع إبداعاتكم أنتم الذين تقدّرون قيمة الإبداعات والابتكارات، واحترام الإنسان المبدع. ومن جهتي، أعدك أن أفتح لك مغاليق (مغارة السمسم)، بكل ذهبها ومالها. هل تفعل يا سيدي أرجوك؟.
يصمت ماو قليلاً، ويتابع: قبلت بعرض علي بابا، بل وكنت سعيداً بقبوله، وقلت، في نفسي، لن أفرّط بهذه الشخصية الشهيرة أبداً، وقد أكون مبالغاً إذا قلت إن هذه الشخصية كانت مفتاح إبداعي، لأنها تمثل رمزاً لفتح مغاليق الكون كله. ما أغبى أهل علي بابا الذين لم يقدّروا قيمة هذه الشخصية.
يتمطى ماو بحسرة، ثم يقول: على أي حال، ليس من حق العرب أن يعترضوا، فأنا لم أسرق الحكاية كلها. أنا أخذت علي بابا فقط، وتركت لهم الأربعين حراميّاً.