عليكَ بتويتر وفيسبوك يا ترامب!

عليكَ بتويتر وفيسبوك يا ترامب!

01 يونيو 2020
+ الخط -
ترامب يُرغي ويزبد، وهو منزعج من وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتأكيد معه كل الحقّ في انزعاجه وتبرّمه، وليته يستطيع بعقله المشاكس وشعره الأشقر أن يغلق لنا تويتر، ويسكّر الفيسبوك بالشمع الأحمر، ويخلّي مارك زوكربيرغ عاطلاً عن العمل.
يقول صديقي: صارت وسائل التواصل وسيلة للنيل من المحصنين والمحصنات والساسة والرؤساء، وفي مقدمتهم ترامب أبو إيفانكا، وصار قسمٌ كبيرٌ من الفسابكة عالماً علّامةً وفهيماً فهّامةً، وثائراً لا يعجبه العجب، ولا يُشقُّ له غبار، يُنظّر ويجاهد من خلف شاشة الجوّال، باعتبار أن التنظير على (المرتكي هين).
جعلت وسائل التواصل الاجتماعي الناس يتقاعسون، عن أداء واجباتهم في الحياة، وأصبح العالَم الافتراضي هو المحبب والمرغوب، وما إن يفتح أحدنا الفيس حتى يبادره بالسؤال: بمَ تفكّر؟
وكأنه واجبٌ أن نخبره عمّا يشغل تفكيرنا من مآسٍ، لذلك رددتُ على سؤاله ذات يوم ببضعة أبيات أرسلتها لمارك زوكربيرغ من فوق أساطيح الفيس وجدرانه:

نفكّرُ بالآتي وهولِ مصابِنا
وماركُ لو يدري لَأعْفى سؤالَنا
بمَ الفكْرُ والتفكيرُ باتَ مُعلّقاً
وهل نحنُ في بحبوحةٍ في حياتِنا؟
نُفكّرُ بالغرْبِ الذي أنتَ صوتُهم
نُفكّرُ في أفعالِهِ ما جرى لنا
وهل فكّرَ الغربُ الجميلُ هنيهةً
سياساتُهُ الحمقى وما قد أصابَنا؟!
ولو كنتَ يا "زوكربيرغْ" لحظةً هنا
فررْتَ من الموتِ الزّؤامِ وحالِنا
ولم تستطعْ أنْ تُمعنَ الفكْرَ مُلْهماً
وما في الوجودِ اليومَ يبغي قتالَنا
فمنْ سفُنٍ في البحرِ شقّتْ عُبابَهُ
إلى طائراتِ الجوِّ تُدمي سماءَنا


كل مناسباتنا وأفراحنا وأتراحنا تتم بالفيسبوك، ولم نعدْ نستغني عنه، ولو بضع سويعات، فما إن يُوقف الحساب، أو تُوقف خاصية التعليق أو (التلييك)، حتى نُقيم المَنَاحة، ونطلب من الآخرين العويل والمدد.
وذات توقفٍ لحسابي خاطبت الجميل زوكربيرغ وبثثته شكواي بقولي:

حيّرْتَني يا فيسُ بالإيقافِ
لا علمَ لي ماذا دهاكَ تُجافي؟
إني أُخاطبُ "ماركاً" وبحرْقةٍ
ألّا يُصيخَ السَّمْعَ للأجلافِ
ما شأنُهُ بي كي يُعطّلَ صفحتي
وهي البعيدةُ عن خنا الأحلافِ؟
هل كان ذنبي أنني أهوى القريضَ..
وحسنَهُ نِعمَ الكلامُ الشافي؟!
عوّدْتَنا يا فيسَنَا أن نلتقيْ
بالشِّعرِ في عليائِهِ وقوافي
وبدونِهِ كيفَ الحياةُ تلمُّنا
في غربةٍ عن أهلِنا ومنافي؟
عوّدْتَنا ونلومُ أنْفسَنا على
ما نحنُ فيهِ من ضياعٍ خافي
هل ينفعُ النكزُ اللئيمُ بوقعِهِ
هل من خبيرٍ يقتفي ويُعافي؟!

يتابع صديقي سرده:
تحولت وسائل التواصل الاجتماعي، إلى وسائل للتشهير والإزعاج، وليس أسهل عند حسدك وكرهك شخصاً، أو تبرّمك منه أن تنسفه (بوستاً)، من كعب (الدست) تجيب آخرته، ولن تعدم وجود داعمين لك ومصفقين، يقومون بشرشحته وتشريحه معك.
الله وكيلك من يوم عرفنا الفيسبوك جفانا النوم، وانقلب ليلنا نهاراً، فلا نرتاح من كثرة المنشورات، والإشارات والرسائل، والتاغات. الأفظع من هذا كله النكزات التي تأتيك في كل وقت، وعلى مدار الساعة، ويجب أن تكون يقظاً للرد عليها.

النكز وحدَه سبّبَ لي عللاً وأسقاماً، وذات نكزةٍ نجلاء قلت:

وتَنْكزُني كلَّ النّهارِ بنكْزةٍ
فماذا يُفيدُ النكْزُ يا خيرَ ناكزِ؟!
نُطالبُ بالنكْزِ الجميلِ لنخْوةٍ
فكيفَ إذا منكوزُنا غيرُ حائزِ؟!
قدِ ازرقَّتِ الدنيا لكَثْرةِ نكْزِهم
يقولون: إنّ النكزَ أجملُ رائزِ
فسبحانَ مَنْ عاشَ الحياةَ بفيسِهِ
جميلًا بلا نكْزٍ سعيدًا كفائزِ
نُريدُ منَ المُفتينَ فُتْيَا لنكْزِنا
هلِ النّكْزُ صحّيٌّ، وهلْ غيرُ جائزِ؟!

للأسف الشديد نقلنا أمراضنا وأسقامنا، من العالم الواقعي إلى الافتراضي. ومَن كان منافقاً، وفيه تضخم في أناه أصبح أكثر نفاقاً وتضخماً، ومَن كان متعصباً لشلته، أومنطقته أو طائفته أوعشيرته ازداد تعصباً وانغلاقاً.

بعضنا يعتقد بأنه شيخ الكار والصنعة، والآخرون جميعاً هم مريدون، يجب أن يُسبّحوا بحمده، ويكثروا من (التلييك)، والتعليق له، آناء الليل وأطراف النهار. وبعضنا لا يتفاعل إلا مع الحسناوات اللائي في وجوههنّ لحسة لبنٍ، حتى وإن نشرْنَ على صفحتهنّ السخافة والميوعة.

وبعضنا يتعامل بمبدأ (حكّ لي لأحكّ لك، وكل شيء قرضة ودين، حتى التعليق واللايك). ما يحدث في الفيس غريب عجيب، وقد يحصل منشور تافه على مئات اللايكات والتعليقات، ولا يتمكن منشور رصين، لعالِم من العلماء الأجلّاء، من أن يحوز بعضها، ولا نتفاجأ أن يصبح بعض الإمّعات مشاهيرَ بحركاتهم وحركاتهنّ.. وفي ذلك قلت مستنكراً:

لكَ اللايِكاتُ تُساقُ زرافاتْ
وغيركَ مَن يستحقُّ الثناءاتْ
إذا ما طججْتَ لنا لايِكاً
يفيضُ لكَ الآن بحرُ المحبّاتْ
إذا ما كتبْتَ لنا بعضَ مدحٍ
تجودُ قرائحُنا بالمودّاتْ
جميلٌ هو اللايِكُ الحقُّ يحلو
إذا لم يكنْ باطلاً أو تفاهاتْ
فكم لايِكٍ قد تَحوّلَ ثأراً
وحرباً بسوساً تَزيدُ الملمَّاتْ!
فما أعجبُ اليومَ إلّا لخِلٍّ
بفيسٍ تَحوّلَ عبداً للَايْكاتْ
عجيبٌ هوُ الفيسُ يُعلي وضيعاً
ويُنزلُ للدَرْكِ أعلى المقاماتْ
فيحصدُ بالسُّخفِ كلَّ نفاقٍ
ويغدو شهيراً كبعضِ العُنيزاتْ
يُفسْبكُ ما قد يمرُّ بهِ
فمِن غسْلِ وجهٍ لأدنى المَهمّاتْ
إذا ما أُصيبَ بعطْسٍ فإنّا
نشمّتُهُ دونَ بطءٍ بنكْزاتْ
أيا ماركُ العبْقريٌّ أليستْ
هناك حلولٌ لبعضِ السّخافاتْ؟
تَحمَّلْ صنيعَكَ لا تنشغلْ
بجمعِ الملايينِ عبْرَ المجرّاتْ

قديماً كانت حروب داحس والغبراء والبسوس، وبعضها نشب بسبب ناقة أو فرس، واليوم تنشب حروبٌ ومعاركُ طاحنةٌ، بسبب اللايك والتعليق، والتنمّر في العالم الافتراضي. أعتقد بأنه في المستقبل، سيكون هناك قضاة مختصون في النزاعات والخصومات الفيسبوكية والتويترية، وتدعو الحاجة كذلك إلى وجود علم النفس الافتراضي، لمعالجة ما يعاني منه الناس، في الفيسبوك وتويتر.

يتابع صديقي: لأني مُستاءٌ من الفيسبوك، وما فيه، فتحت حساباً على تويتر وقلت:

مَن كانَ للودِّ الجميلِ مُحافظاً
يمّمْتُ وجهي لاحقاً بتويْترْ
كلُّ الملوكِ يُغرّدون بفيئِهِ
وترامْبُنا المجنونُ فيهِ مُسيْطِرْ
إنْ رمْتَ موقفَ دولةٍ وزعيمها
فاعشقْ "تُويْتر" فالمواقفُ بيْدرْ

كنت أظن أن تويتر أفضل حالاً ورصانةً، وفيه يُغرّد الرؤساء والساسة، وبعد مشكلة ترامب، وشكواه من التدخل، في الانتخابات الأميركية، يبدو أن كل وسائل التواصل الاجتماعي فيها عللٌ وفيروسات أشدُّ من كورونا، إذا لم نُحسن استخدامها، ولكنْ مع ذلك لا بأس من تشجيع ترامب، في حربه ضدها، وأن نقول له: عليكَ بتويتر والفيس.. يا ترامب!.

دلالات