علوية المعطى البيئي

علوية المعطى البيئي

07 يوليو 2017
+ الخط -
يعد المعطى البيئي عنصراً رئيسياً مكوّنا للتنمية المستدامة إلى جانب كل من المعطى الاجتماعي والاقتصادي. وقد سعت الأنظمة القانونية لحماية العنصر البيئي من مختلف الانتهاكات التي تعدّ مساساً وتهديداً صريحا لمبدأ مهم، ألا وهو حق الأجيال المقبلة في التمتّع ببيئة سليمة ومناخ ملائم للعيش. وهو ما أسّس لظهور مفهوم جديد، تمثل في "النظام العام البيئي"، من خلال تكريس قواعد قانونية تهدف للحفاظ على المعطى البيئي من جهة والتنمية المستدامة من جهة أخرى.
كما أنّ للدساتير دورا مهما في تعزيز مكانة العنصر البيئي، من خلال تكريس العديد من الحقوق "البيئية"، كالحق في بيئة سليمة والحق في الماء إلى جانب تقنين جملة من الواجبات المحمولة على السلطات، كالحفاظ على الثروات الطبيعية، وترشيد استغلالها، فضلاً عن واجب التوزيع العادل لها بين مختلف الجهات.
وتجدر الإشارة إلى أنّ دور الدساتير خصوصاً والأنظمة القانونية عموماً، لم يقتصر علي تكريس الحقوق والواجبات البيئية، وإنما شمل كذلك تجسيداً لآليات فعالة، الغاية منها مأسسة الصرح البيئي للمجتمع، كالمؤسسات العمومية ذات الطابع البيئي، الوزارات البيئة والهيئات الدستورية المستلقة، ولعلّ من أهمها هيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال المقبلة المكرّسة بالفصل 129 من الدستور التونسي، حيث تستشار هذه الهيئة وجوباً في مشاريع القوانين المتعلقة بالمسائل البيئية، وفي مخططات التنمية التي تعتد وجوباً بالمعطى البيئي.
وستتعمق هذه الدلالة الحمائية من خلال ارتباطها بالمعطى التشاركي، في إطار اللامركزية الذي بدا مدعماً للدور الفعال للمكونات في المجتمع المدني من مواطنين وجمعيات وأحزاب ومنظمات في سياق الحفاظ على ما هو بيئي، حيث نص الفصل 139 من الدستور التونسي على أن "تعتمد الجماعات المحلية آليات الديمقراطية التشاركية، ومبادئ الحوكمة المفتوحة، لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني، في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها طبقا لما يضبطه القانون".
وضمن هذا المشي، يعدّ المجتمع المدني بمثابة الضامن الرئيسي لحماية المعطى البيئي لحظة إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية، الأمر الذي ساهم في التأسيس لقدسية هذا المعطى، وانسجامه، بل وتناغمه مع بقية الدلالة الاجتماعية والاقتصادية. كما أنّ دور المجتمع المدني لا يقتصر على مرحلة الإعداد فقط، وإنما يشمل كذلك مرحلة تنفيذ ومتابعة هذه البرامج بغية تجنّب كل مظاهر الانحراف عن الأهداف المزمع تحقيقها.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى جملة من التساؤلات: إلى أي مدى يمكن الحفاظ على البيئة في ظل غياب وعي جماعي؟ بعبارة أخرى، هل أنّ إرساء نظام عام بيئي كفيل بحماية هذا المعطى من مختلف الانتهاكات والأفعال الإجرامية؟ ألا يمكن أن يجذّر القانون دلالة الوعي في صلب المجتمعات؟
في ظلّ تعدّد الأطر القانونية المكرّسة للمعطى البيئوي، ألا تؤسس ظاهرة التقنين لتجسيد مفهوم الوعي البيئي؟ أليس في تدعيم دور المواطن والمجتمع المدني مجالاً فاعلاً للحديث عن بوادر ظهور وتكوين وعي بيئي؟ ألا يشكل البعد التشاركي مناخاً ملائماً لتعزيز الصرح البيئي، وضمان علويته، فضلاً عن تفاعله مع بقية المعطيات الاجتماعية والاقتصادية في إطار التنمية المستدامة، بما هي هدف الشعوب وشرط أساسي لاستمراريتها؟ فإلى أي مدى يمكن الإقرار بعلوية البعد البيئي في ظلّ الحضور المكثّف لكل ما هو اقتصادي؟
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
74AB1921-BCE8-4301-ABE1-D55D6503A198
إسماعيل الهدار (تونس)
إسماعيل الهدار (تونس)