علاج الأعشاب... إقبال على عطاري العراق في زمن كورونا

علاج الأعشاب... إقبال على عطاري العراق في زمن كورونا

02 يونيو 2020
بهارات وخلطات في أربيل (إمره يور ألماظ/ الأناضول)
+ الخط -

مع التأكيدات الصحية على ضرورة التعقيم المتكرر للمنازل والأشخاص بشكل مستمر للوقاية من فيروس كورونا، والأخبار المتتالية حول خطورة المرض، انتعشت في العراق أعمال العطارين.

الانتشار السريع لفيروس كورونا الجديد عالمياً، لا سيما في بلدان غربية تعتبر متقدمة في مجالات الصحة، سواء لناحية الكوادر الطبية والتمريضية البشرية، أو البنى التحتية للمرافق الصحية، زاد من الخوف بين العراقيين الذين يعيشون في بلد يعاني من تهالك في البنى التحتية، وتراجع كبير في القطاع الصحي، بحسب رأيهم. وفي حين كانت الدول المتقدمة طبياً تعلن منذ بدء انتشار الفيروس عدم توصلها لعلاج فعال له، توجه كثيرون في العراق لحلّ مختلف كان عن طريق الأعشاب، مع تنامي القلق في داخلهم من الإصابة بالفيروس. والخلطات العشبية لا تغني بأيّ شكل من الأشكال عن الطبّ الحديث، لكنّ منظومة الأخير غير موثوق بها عراقياً.

يبيع العطار رحيم الزبيدي أكثر من 300 مادة عشبية، تتنوع بين حبوب وأوراق وعيدان وأزهار ومساحيق، علماً أنّه يمارس هذه المهنة منذ أكثر من أربعين عاماً. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "فيروس كورونا الجديد ليس الوباء الأول الذي يزيد من إقبال الناس على شراء المواد العشبية لأجل الوقاية". يتابع أنّ "هذا الإقبال نشهده مع دخول موسم الشتاء، إذ يكثر الزكام وأمراض الأنفلونزا. كثيرون ما زالوا يثقون بالعلاج بالأعشاب ويفضلونه على العلاج بالأدوية الطبية المعروفة".

الزبيدي، الذي يملك خبرة في إعداد العلاجات العشبية، يقول إنّ فيروس كورونا الجديد يختلف عن غيره من الفيروسات من ناحية دفع الناس للإقبال على العطارين، مفيداً بأنّ "الإقبال على شراء المواد العشبية التي تدخل في مجال تعقيم المنازل زاد أضعافاً، وأيضاً هناك طلب كبير على شراء علاج من الأعشاب للفيروس". ويقول الزبيدي إنّه لا وصفة عشبية لعلاج كورونا حتى الآن، لكنّه يصف علاجاً للشفاء من الزكام للوقاية من الفيروس، موضحاً أن العلاج "يتكون من الزنجبيل والحليب والثوم والعسل، أصنعه لمرضى الزكام، وأنصح بتناوله عند ظهور أعراضه"، مستدركاً بالقول: "من يشترونه يعلمون أنّه مخفف للأعراض وليس علاجاً، وأنا أخبر من يجهل بذلك حتى لا أكون قد غششتهم".



عطار آخر يدعى عامر الكعبي، يؤكد ما ذكره الزبيدي في ما يخص ازدياد الإقبال على شراء المواد العشبية بسبب تنامي الخوف من فيروس كورونا الجديد. في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول الكعبي، الذي يدير محل والده لبيع الأعشاب، إنّه لم يشهد إقبالاً على شراء الأعشاب من قبل كما يشهد اليوم. يتابع: "منذ عام 1981، وكان عمري سبع سنوات، أساعد والدي في العمل بمحل الأعشاب. حتى والدي الذي يبلغ من العمر 76 عاماً، قال إنّه لم يعرف من قبل مثل هذا الإقبال على شراء الأعشاب". يذكر أنّ "أكثر ما بات يطلب هي أعشاب تعمل على تعقيم المنزل، مثل القرنفل والصعتر وإكليل الجبل والشيحة وأوراق الكالبتوس والميرمية والعرعر وأعشاب أخرى".

في محل الكعبي تباع أعشاب بعضها مستورد من إيران والهند والصين وتركيا واليمن والأردن وسورية، ويقول: "لا نصف - لا أنا ولا والدي - علاجات للأمراض، لكنّ لكلّ عشبة منافع معينة، بسبب ما تحتويه من فيتامينات تعتبر مركزة". يضيف: "انتشار عدد كبير من الوصفات العشبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يطلقها أشخاص بعضهم عطارون ينصحون بها لمواجهة كورونا، زاد من إقبال المواطنين على شراء الأعشاب لصنع هذه الخلطات منزلياً". وعلى الرغم من أنّ كثيرين لا يعتقدون بأنّ الأعشاب تشكل بديلاً ناجحاً للدواء الطبي الموصوف علمياً لعلاج الأمراض، لكنّ بعضهم يقولون إنّ عدم توفر علاج فعال للقضاء على كورونا، يدفعهم لشراء أعشاب موصوفة لتقوية المناعة ولتعقيم المنازل.

وبحسب صباح الجنابي، وهي مدرّسة في التعليم الثانوي تحدثت إلى "العربي الجديد"، فإنّ "ما يزيد الطين بلة هو النظام الصحي المتردي في بلدنا والأدوية غير الموثوقة التي تنتشر في الصيدليات وهي من مناشئ غير معروفة". تضيف: "أنا لا أتهم الصيدليات بل هي الحقيقة، إذ إنّ الفساد الذي ينخر المؤسسات الحكومية أثر كثيراً على القطاع الصحي، لذلك ومن أجل مواجهة الفيروس الذي أرعب العالم، استشرت عدة عطارين عما إذا كان باستطاعتهم معرفة علاج عشبي ينفع للوقاية من الفيروس". تتابع: "بعضهم يؤكدون أنّ خلطات عشبية تحافظ على صحة الإنسان وتقوي مناعته وتحميه من الإصابة بكورونا. آخرون ينصحون بأعشاب معينة، لكنّني لست مقتنعة بنجاح الوصفات العشبية في أداء هذه الوظيفة". وتستطرد قائلة: "بالرغم من هذا، أستخدم بعض الأعشاب كشراب لي ولأفراد أسرتي، ربما تزيد من مناعة أجسامنا"، وهكذا تراهن على أعشاب ربما لا تؤدي إلى أيّ نفع.

يؤكد البعض أنّ الهلع الذي تسبب به الإعلام في نقل ما يخص فيروس كورونا الجديد، كان السبب المباشر في بحث العراقيين عن حماية لهم ولعائلاتهم، وهو ما جعل كثيرين منهم يتوجهون نحو العطارين في محاولة لإيجاد علاج يقيهم من المرض، بالرغم من أنّ الخطوة المنشودة هي الاتكال على الطبّ الحديث. يقول الباحث الاجتماعي عمار الشاماني إنّ "عدداً كبيراً من وسائل الإعلام العالمية والعربية والمحلية أدت دوراً سلبياً لناحية التعاطي مع هذا الفيروس". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "بعض وسائل الإعلام كانت تبث الرعب من خلال تغطيتها لانتشار فيروس كورونا، وكان يفترض بها أن تتخذ مساراً إعلامياً آخر تقدم من خلاله النصائح من دون تهويل. وساعدت في ذلك التسريبات الرسمية من قبل الحكومات في مختلف دول العالم حول عدم توفر علاج فعال وأنّ إيجاد علاج ولقاح يتطلب أشهراً في وقت كانت تُبث أخبار مرعبة عن توسع الفيروس عالمياً".



يتابع أنّ هذا أدى إلى حصول حالة مرضية نفسية يطلق عليها اسم "القلق المفرط"، وقد "أصابت نسبة كبيرة من المجتمع، وتتفاوت درجاتها بين الأشخاص لتصل إلى درجة الاضطراب في السلوك والاعتقاد بالإصابة بالفيروس، وهي مرحلة خطيرة تؤدي إلى أمراض عضوية، وتزداد الخطورة حين تظهر أيّ علامة مرضية، حتى ولو كانت بثوراً خفيفة في الوجه". يشير إلى أنّ "هذا الخوف الذي ضخمته وسائل الإعلام هو الذي دفع الناس إلى البحث عن حلول مختلفة من أجل عدم الإصابة بالفيروس، من بينها الإقبال على العطارين".

دلالات