عقوبات أميركا على إيران: حصار الخارج وغضب الداخل

عقوبات أميركا على إيران: حصار الخارج وغضب الداخل

05 اغسطس 2018
يُطالب المحتجون حكومة روحاني بإيجاد حلول لأزمات البلاد (Getty)
+ الخط -
تنتظر طهران دخول العقوبات الأميركية، العائدة إثر انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي، حيز التنفيذ العملي غداً الإثنين في 6 أغسطس/ آب، وهو ما يترافق مع تحديات كثيرة، داخلية وخارجية، مع ازدياد حركة الاحتجاجات. ومع أن هذه التحديات ليست بشدة العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على طهران بسبب نشاطها النووي قبل الاتفاق النووي، إلا أنّ الحظر بدأ بترك بصمات واضحة بمجرّد أن تمّ الإعلان عن تعليق تجميده نظرياً، وقد زاد تأثيره مع كل تصريح أميركي تصعيدي ضدّ طهران، وهو ما جعل الوضع الاقتصادي أكثر سوءاً، فانتقل التحدّي بالنسبة للسلطة الإيرانية إلى الشارع. وقد جعل ذلك إيران تقف أمام وضع صعب، محاولةً استخدام كثير من الأدوات علّها تكون قادرة على تغيير الأمور لصالحها.

وستستهدف عقوبات أغسطس/ آب الحالي قطاع السيارات الإيراني وتجارة الذهب والمعادن، وستمنع البلاد من الحصول على الحديد والألمنيوم اللازمين لصناعاتها. لكن العقوبات المقبلة في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني ستكون أشدّ وأقوى، إذ ستضع قطاع الطاقة في مرماها، وستسعى إلى تقليص صادرات النفط الإيراني، وستوقف التعامل مع البنك المركزي، وهو ما من شأنه إرباك الاقتصاد كثيراً.

وفي هذا الإطار، رأى الصحافي في وكالة "إيلنا" الإيرانية، مهدي الياسي، أنّ الحزمة الأولى من العقوبات "قد لا تكون بشدة تلك المقبلة بعد أشهر. فطهران ستكون أمام تحديين كبيرين؛ الأول نفطي والثاني مالي، في حين أنها ما زالت حتى اللحظة تبحث عن الضمانات التي من الممكن أن تمنحها إياها الأطراف الأوروبية الباقية في الاتفاق النووي لتستمر في بيع نفطها، ولتحصل على عائداتها المالية في ظلّ الحصار الأميركي".

وأكد الياسي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ الأخطر من ذلك هو "عدم وجود برامج حقيقية للتعامل مع المقبل. فالحكومة تتحدّث عن قدرتها على المواجهة، لكن البرامج غير واضحة وغير دقيقة، والمطروح للتعامل مع سوق الصرف السوداء ومحاولات ضبط العملة أيضاً ليس استثنائياً ولا يوفّر حلولاً جذرية"، معتبراً أنّ "التفاوض مع أميركا قد يفتح الباب هذه المرة لحلول عملية، في وقت تواجه فيه طهران كثيراً من التحديات".

في غضون ذلك، عادت منذ الأربعاء الفائت الاحتجاجات الاقتصادية التي تتخلّلها شعارات سياسية إلى الشارع في مناطق إيرانية عدة، على رأسها كرج المحاذية للعاصمة طهران، التي كانت الأكثر تصعيداً حتى اللحظة. وفي هذا السياق، تحدّثت وكالات إيرانية محافظة عن أنّ محتجين وصفتهم بـ"المخرّبين" هاجموا مقراً لحوزة "اشتهارد" الدينية محاولين اقتحامها، وهو ما أسفر عن اعتقال عدد من المحتجين.

وبدأت الاحتجاجات الأخيرة بدعوات عدة تبادلها إيرانيون على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، مع الطلب في أكثر من واحدة منها عدم حرف البوصلة نحو سكة السياسة، وهو الأمر الذي قد ينهي الاحتجاجات من دون تقديم حلول. فالمواطن الإيراني يدفع ثمن الارتباك الاقتصادي من جراء ارتفاع الأسعار الناجم عن انهيار العملة المحلية أمام الدولار. لذا طالب المحتجون حكومة حسن روحاني بإيجاد حلول لهذه الأزمات والتعامل مع الفساد، الذي اعتادت إيران على ارتفاع مستوياته كلما اشتد عليها خناق العقوبات. وأوضحت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مشاركة المئات في مظاهرات في مدن بأنحاء مختلفة بينها طهران وأصفهان وكرج.

ورغم ذلك، لم تخلُ الاعتراضات من شعارات سياسية طاولت النظام برمته، وهذا ما يجعل الأمور صعبة على البعض؛ كروحاني وفريقه أولاً، وربما تصبح أكثر تعقيداً للنظام ككل ثانياً، إلا أنّ هذه الحالة تعتمد على اتساع دائرة الاحتجاجات واشتداد حدّة الشعارات. لكنّ العامل ذاته قد يتحوّل لوسيلة لمعالجة الأمور، ولا سيما أنه يتزامن والضغط الأميركي على الشارع، فتستخدم السلطات حالياً أدواتها للاستفادة من ذلك سياسياً، وللتعامل مع عقلية وطبيعة الشارع الإيراني المعني بوضعه المعيشي أولاً. وفي واشنطن، قالت وزارة الخارجية الأميركية، عبر حسابها باللغة الفارسية على موقع تويتر، إنه "من حق شعب إيران تقرير مسار بلاده في نهاية المطاف وأميركا تساند صوت الشعب الإيراني الذي يتم تجاهله منذ وقت طويل".

ويدعو غالبية المسؤولين الآن إلى الاستماع لمطالب الإيرانيين الاقتصادية، مع فصلها تماماً عن تلك السياسية. بل أكثر من ذلك، هناك من يدعون إلى نزول المعنيين من المسؤولين إلى الشارع للوقوف إلى جانب المحتجين. وقد شوهد قائد الحرس الثوري في منطقة مشهد، يعقوب علي نظري، بين المحتجين أخيراً وهو يحاورهم ويتحدّث معهم عن الهموم المعيشية، ويحاول أن يشرح لهم التحديات التي تواجهها البلاد وكيف من الممكن أن تتحوّل التظاهرات إلى وسيلة لاستغلالها خارجياً. فربط هذا الملف بالخارج يترك تأثيراً على شريحة ما زالت تمثّل نسبة من المجتمع الإيراني، وهي المحسوبة على الطيف المحافظ.

إلى ذلك، تبدو تصريحات وتحرّكات رجال الدين ومراجع التقليد أيضاً واضحة خلال الاحتجاجات هذه المرة. فإمام صلاة الجمعة في مشهد، آية الله أحمد علم الهدى، الذي كان له دور في تحريك اعتراضات المنطقة ذاتها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كونه محافظاً والاحتجاج يأتي انتقاداً للحكومة المعتدلة، عاد اليوم ليؤكّد أنّ الشرائح الفقيرة تلمس التبعات أكثر من غيرها، مقابل وجود فئات ثانية رأى أنها "على ارتباط بأميركا والغرب وتمسك بالعملة الصعبة والذهب وتحاول تهريبهما للخارج"، مطالباً الحكومة والبرلمان بمتابعة الملف لمحاسبة هؤلاء. كذلك، اعتبر المرجع الديني، آية الله ناصر مكارم شيرازي، أنّ "الحكومة تتحمّل مسؤولية"، قائلاً إنها "تصرّ على مواجهة مشكلاتها بفريق ضعيف".

ويحاول المحافظون استخدام ما يحصل لصالحهم. وترى مواقع إصلاحية في ذلك كأنه صيد في الماء العكر، فتنتقد تحريض الأصوليين على الاحتجاجات ضدّ روحاني، بينما كان التعامل مختلفاً تماماً عام 2009، حين كانت التظاهرات ضدّ التيار ذاته خلال "الحركة الخضراء" التي تلت انتخابات ذلك العام. في المقابل، يبدو أن رجال الدين المحسوبين على الإصلاحيين والمحافظين على حدّ سواء يؤدون دوراً كبيراً في التحوّلات الإيرانية، ويحاولون الاصطفاف إلى جانب الشارع، في محاولة لاحتواء الأزمة قبل أن تشتدّ، ولتنفيس الوضع قليلاً.

وأمام كل هذا المشهد، يبدو أنّ روحاني ومن معه يواجهون تحديات كبيرة يديرها الصف المحافظ أيضاً. فقد استطاع هؤلاء الحصول على التواقيع اللازمة لجرّ الرئيس لجلسة استماع برلمانية للإجابة عن تساؤلات النواب الانتقادية، وهو الأمر الذي انتقده رجل الدين آية الله محسن غرويان الذي قال "من غير الواضح ما السبب الذي دعا بعض النواب إلى هذه الخطوة التي تأتي بالتزامن مع وجود دعم مكرّر للرئيس من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي"، معتبراً أنّ جلسة الاستماع "تحمل أهدافاً سياسية ولا ترمي لحل المشكلات".

من ناحية أخرى، بدأ البعض في الداخل الإيراني بطرح وجهات نظر جريئة ترى أنّ حلّ المشكلات قد يكون في الحوار مع أميركا. فالرد على عرض ترامب بتفاوض غير مشروط، وإن رفضه الحرس الثوري بشدة، لاقى ردود فعل متزنة وضعت شروطاً واضحة لذلك. وقد تكرر هذا الأمر أخيراً على لسان المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان، علي نجفي خوشرودي، الذي قال إنّ "التفاوض قد يصبح ممكناً إذا ما تقدّمت أميركا باعتذار وعادت إلى الاتفاق النووي".

أمّا عضو "مجلس خبراء القيادة في إيران"، آية الله سيد هاشم بطحائي، فكان لافتاً قوله إنه "إذا ما أراد ترامب أن يأتي إلى طهران، فالواجب الديني وما نزل في القرآن الكريم يملي علينا استقباله والحفاظ على أمنه"، معتبراً هو الآخر أن "لدى أميركا مخططاً يستهدف الداخل الإيراني في الوقت الراهن من خلال إيجاد شرخ بين الشارع والحكومة".

ويظهر رجال الدين ومراجع التقليد بشكل واضح في المشهد الداخلي الآن، وهو المشهد الذي ستكون للشارع كلمته فيه أيضاً طالما أن احتجاجاته على الوضع الاقتصادي باتت مكررة وبمسافات زمنية أقل. والشارع ذاته الذي يتأثر بالخطوات الأميركية وبعودة العقوبات ربما يصبح أداة ضغط أو وسيلة لبت ملف التفاوض مع الولايات المتحدة.

ويظهر في ذلك بالذات تطوّر آخر، فبعض نواب البرلمان الإيراني، من قبيل بهرام بارسايي وقاسم ميرزايي، اقترحوا طرح مسألة التفاوض مع الولايات المتحدة للاستفتاء الشعبي، على اعتبار أنّ هناك في الشارع من يرى أنّ حلّ المشكلات قد يكون بالحوار هذه المرة. وفي ساحة التحليل، ما زال هذا صعباً، فأدواته الحقوقية والقضائية ما زالت غير متوفرة، لكنه قد يشكّل مخرجاً للحوار الذي تعتمد إمكانية تحققه من عدمها على سلوك الإدارة الأميركية وعلى معطيات وتطورات الداخل الإيراني.

المساهمون