عقدة الخواجة

عقدة الخواجة

10 مايو 2019
("بيت برناردا ألبا" في عرض لسيمونا غونيلا بلندن، 2018)
+ الخط -

كتب الناقد المسرحي فؤاد دوارة أنّ مسرحية الشاعر الإسباني لوركا المعروفة "بيت برناردا ألبا" عادية، وهي ليست ممتازة، وليست من روائع المسرح العالمي (حين نُشرت ضمن هذه السلسلة التي كانت تصدر عن وزارة الثقافة المصرية) ووصفَها بالمملّة، وانتقد بناء الشخصيات حين وجد أنها تتناقض مع سيرورات الحياة التي يصفها الشاعر الإسباني الأندلسي.

ويفصل الناقد آراءه النقدية، مانحاً المسرحية حقها الكامل من التناول النقدي. وهي واحدة من المرّات القليلة التي أقرأ فيها لناقد عربي نقداً موضوعياً لا يرزح تحت ضغوط الثقافة الأخرى التي تُرجم منها النص، أو يخضع لسلطة الكاتب الشهير صاحب النص؛ إذ اعتدنا أن نقرأ المسرح المترجم، والشعر المترجم، والرواية المترجمة، بصرف النظر عن مصدر الترجمة، أو لغة المترجم، من موقع التلقّي السلبي، أو من موقع الضعف والتخاذل والدونية، في حالةٍ من إعادة إنتاج العقدة التي شغلت كتّابنا وثقافتنا في منتصف القرن العشرين وسمّوها "عقدة الخواجة"... وقلما نقرأ نقداً للرواية المترجمة، أو للشعر المترجم، أو المسرح المترجم.

بينما لا يتردد المستشرقون في دراساتهم عن الأدب العربي، روايةً وشعراً ومسرحاً، وقد تُرجم القليل منها إلى العربية، في تناول الأعمال المدروسة نقدياً، دون أن تكون في خلفية الدراسة أي عقدة قد تعيق الملاحظات والجوانب النقدية للموضوع وأسلوب التناول.

لماذا؟

اللافت أن بعض كتّابنا يقولون إنهم لا يقرؤون الرواية العربية، على الرغم من الاحتفاء بها، ولا كتابات المفكّرين العرب، وربما كان الشعر العربي وحده قد نجا من حالة التجاهل بسبب وجود تراث شعري عربي ممتدّ في التاريخ. بل إن عدوى هذا التصريح حاضرة في أذهان الكثير من القرّاء العرب. وربما تكون إحصائيات بيع الكتب في المكتبات والمعارض تشير إلى أن أرقام مبيعات الرواية المترجمة، من أي لغة أو ثقافة، حتى لو كانت من جزيرة مجهولة في المحيط، أكثر من الرواية العربية.

ولكن الأهم من هذا هو أنَّ من الممكن أن نتخيّل كيف تُقرأ الكتب العربية في كافة المجالات، ومنها الرواية العربية، إذا ما قُرئت، على الرغم من الحماسة الظاهرة لحضورها: أولاً يشعر جميع القرّاء أنهم متفوّقون على الكاتب العربي والروائي العربي، وسوف يمنحهم هذا التفوق شعوراً بالعظمة ينعكس في ما بعد على علاقتهم بالرواية عموماً، أمّا النقّاد فهم ممتنعون في الغالب عن قول النقد، أو توجيه القراءات، وتؤدّي هذه المشاعر والمواقف في ما بعد إلى أن تكون مهام القرّاء والنقّاد اكتشاف العيوب والأخطاء، لا إظهار الجمال في اللغة أو البناء الفني أو الشخصيات.

وقد سمعتُ ناشراً شاباً يقول إنه بات مضطرّاً لنشر الكتاب المترجم كي يستطيع أن يقدّم الدعم المادي لداره التي تنشر الكتاب العربي أولاً، والأمر ليس بيده، وقد قدّم له سوق الكتب الدليل، إذ بيعت نسخ الرواية المترجمة التي نشرها قبل أن تُباع كتبه العربية. يؤكّد هذا كلُّه أن الروايات التي تلقّى الاهتمام هي تلك التي تفوز بالجوائز، وخاصة تلك التي توصف بالعالمية.

المساهمون