عصر ما بعد الرأسمالية والديمقراطية... ما شكله؟

عصر ما بعد الرأسمالية والديمقراطية... ما شكله؟

05 يونيو 2020
+ الخط -
جرى وسيجري في عالمنا العربي أن انقلب جنرالات على رؤساء منتخبين بطريقة ديمقراطية، هذا مفهوم في سياق دول ما زالت لم تتخلص حتى اللحظة من الاستعمار الخارجي الذي نصب فيها قبل مغادرته أنظمة تتنفس من رئتي المحتل، وتتكسب شرعيتها من الخارج، وله تدين بالولاء.
لكن أن ينتقد وزير الدفاع في أكبر ديمقراطيات العالم رئيسه، فهذه سابقة تشي بكمّ الفشل الذي راكمه ذلك الرجل، في ظل عدم وجود وسائل لمعالجة مثل هذه الجائحة السياسية. صحيح أنّ الديمقراطية ليست مقدسة، لكنها حتى هذه اللحظة ما زالت تمثل أفضل نظام اختبره العالم للحكم، ولا شك في أنها ستصوغ آليات ديمقراطية للخروج من الأزمة القائمة، إلا أنه حتى مع تجاوز الأزمة، فإنّ التحولات التي ستتمخض عنها في تقديري عميقة وفارقة ونوعية.
المسألة ربما تنتهي وتكون تداعياتها تراجعاً لحظوظ دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، واحتمال خسارته، مع عدم الإفراط في الذهاب بالتحليل باتجاه أنّ أميركا ستنهار. إلا أننا في ذات الوقت بصدد تغييرات من النوع "غير المعتاد" وغير النمطي، لا سيما في التشريعات الخاصة باستخدام السلاح وصلاحيات حاكمي الولايات واستخدام الحرس الوطني وغير ذلك، بالإضافة إلى أنّ التظاهرات الأخيرة فاقمت من الكارثة الاقتصادية، فالإنجاز الاقتصادي كان ورقة ترامب الرابحة حتى جاءت أزمة كورونا، كما أن الإنجاز الاقتصادي أو "دولة الرفاه" هي المكسب الأهم للمجتمعات الحديثة التي ارتضت الديمقراطية نظام حياة وحكم مقابل أن يوفر لها الرفاه، والعدالة، ودولة المواطنة. وفي الوقت الذي يعجز فيه هذا النظام الرأسمالي الديمقراطي عن تحقيق تلك المرامي، فإن الجماهير ستكفر به وتنتفض ضده، ليبقى السؤال الأهم: ما شكل العالم بعد ذلك إذاً؟

يدخل بتقديري العالم الغربي وبالأخص أميركا حقبة "ما بعد الديمقراطية"، فبروز الشعبوية كان أحد ملامح هذه الحقبة، وشيوع العنصرية مجدداً مؤشر آخر على ذلك العهد الجديد، وما الحركة العابرة للدول التي انتفضت في شوارع واشنطن ولندن وباريس والعالم إلا إيذان ببدء هذا العصر.

فكرة الرأسمالية قامت على الرفاه، وانحسار هذا الرفاه، في العقدين الماضيين، عرّى كثيراً من إشكالات النظام الرأسمالي، فظهرت الشعبوية، والحركات العنصرية، ومكّن ذلك النظام لرجال المال الذين استحوذوا على النظام الديمقراطي ووظفوه لصالحهم، كل هذا عزز من شعور الشعوب بعدم العدالة.

وإذ إن أكبر ديمقراطيات العالم، يحكمها رئيس عنصري وقف في القرن الحادي والعشرين أمام الكنيسة حاملاً الكتاب المقدس، خالطاً السياسية بالدين وكأنه يدعو لحرب دينية، فإن السؤال يكون مشروعاً: هل ستجد دعوة الرئيس السابق بارك أوباما للمتظاهرين "بأن يوجهوا غضبهم نحو صناديق الاقتراع" استجابة؟ فذات الصناديق تلك هي التي أتت بالرئيس الحالي الذي وصفه وزير دفاعه السابق بأنه الرئيس الوحيد الذي يعمق الانقسام والعنصرية في المجتمع الأميركي، بدلاً من أن يكون راعياً للوحدة وتعزيز روح المواطنة.

تقديري أننا لسنا فقط أمام لحظة أميركية فارقة، بل أمام لحظة عالمية فارقة، فعقب سقوط الاتحاد السوفييتي كان البديل الأميركي الرأسمالي جاهزاً لقيادة العالم، لكن في هذه اللحظة التي يمرّ هذا البديل بأزمة غير مسبوقة، فإنّ التساؤل مشروع عن شكل العالم ما بعد الديمقراطية والحداثة والرأسمالية، والذي يبدو بظني أنه عالم ستغلق فيه الحدود التي فتحت عقب الحرب العالمية الثانية، وسيشهد صراعات جديدة هذه المرة بين عموم الطبقة المسحوقة التي ملّت من احتكار الشركات العابرة للقارات للمال والقرار، وكذلك بين كل مكونات النظام الرأسمالي وأذرعه الاقتصادية، فأعمال العنف المدانة، هي بشكل أو بآخر تصفية حساب وتعبير عن غضب تلك الشرائح المهمشة، من تغول وتوحش السوق، لكن ما هو البديل؟ حتى هذه اللحظة لا أحد يعرف.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.