عصر التوحش اللبناني

19 يوليو 2015   |  آخر تحديث: 00:29 (توقيت القدس)
لعبة القتل (محمود الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
لاحق المجرم طارق يتيم المواطن جورج الريف تحت أعين الناس في حي الأشرفية وسط بيروت وقتَله بعد طعنه عشرات المرات في جسمه ورأسه بخنجر. حمل المختار محمد عواضة مسدسه وأطلق النار على المواطن علي عواضه فأرداه قتيلاً في بعلبك شرق لبنان. ضربت نائلة سلو ابنة زوجها الطفلة ناظلية حمود بعصا على رأسها حتى الموت للتخلص منها لكونها تعاني من شلل كامل في جسمها. سقط المواطن أحمد حمزة قتيلاً نتيجة إصابته بطلق ناري بعد خلاف عائلي. مقتل المواطن علي العبيد بعد إصابته بطلق ناري في رأسه نتيجة خلاف عائلي. أقدم القاصر ع.ع. (15 عاماً) على قتل الطفل محمود العاصي (9 أعوام) بعد ضربه على رأسه بآلة حادة ورمى جثته في مبنى قيد الإنشاء. مواطن يقدم على تعذيب وقتل كلب بعد تعليقه في الهواء.

كل هذا حصل في لبنان في أقل من عشرة أيام، بالإضافة إلى ثلاث حالات انتحار معلنة وعشرات الجرجى، وخطف ستة مواطنين للمطالبة بفدية مالية. من بين كل هذه الجرائم، تبقى جريمة قتل الريف المصورة بالفيديو، هي الأروع، فالريف قتل في طريق عام في أحد شوارع الأشرفية (وسط العاصمة) وتحت أنظار عشرات المواطنين الذين صادفوا الحادثة وأكملوا طريقهم كأنّ شيئاً لم يكن.


بعد كل هذا، لا داعي للقول إننا دخلنا إلى زمن التوحّش، وأنّ هذه الظاهرة دخلت المجتمعات العربية نتيجة عوامل كثيرة، منها تربية الأنظمة لمجتمعاتها على نوع مماثل من القمع الوحشي والبطش المولّدين لكبت ينفجر بوحشية مماثلة. ومنها أيضاً وصول هذه المظاهر من تنظيمات متوحشة كداعش الذي ابتدع إجراماً خاصاً به. لكن في لبنان، قد لا تكون هذه من العوامل الرئيسية لتفشّي التوحّش بين اللبنانيين، إلا أنه لا يمكن سوى تحميل الدولة والأحزاب وغياب النظام والقوانين الرادعة والسماح بالتفلت بحمل السلاح والخروج عن القانون مسؤولية ما يجري. كأنّ القتل أصبح أمراً عادياً وسهلاً وبات الناظر إلى حوادث مماثلة يمكنه الاكتفاء بالتفرّج أو ربما التصفيق بعد انتهاء القاتل من ضحيته.

بحسب النظريات الاجتماعية والعملية والنفسية، بين دوركهايم ولورينز مروراً بفرويد، العنف والقتل والجرائم تجتمع في خانة الغريزة البشرية والمصير المحتمل نتيجة البيئات الشخصية أو الاجتماعية المحيطة بالفرد. وتقود مسيرة التوحّش المجتمع، من خلال تراكمها، باتجاه تطوّر هذه المجتمعات وأفرادها. وبالتالي، فإن الريف وعواضه وحمزة والطفلين عاصي وحمود سقطوا على درب مجتمعنا، وكذلك هي حال آلاف ضحايا داعش والأنظمة العربية أيضاً. فما علينا سوى الجلوس وإحصاء ضحايانا ربما لحين نصير من البشر أو من البشر المتطورين.

دلالات