عزيزة نايت سي بها: شخصية الصحافي تعزز قدرته

09 مارس 2020
استضافت عزيزة نايت سي بها 500 شخصية (العربي الجديد)
+ الخط -
تُعَد الإعلامية المغربية عزيزة نايت سي بها، أحد الوجوه العربية البارزة داخل المشهد الإعلامي العربي. فقد استطاعت من خلال برنامجها الحواري "ضيف ومسيرة" على "فرانس 24" أن تصل إلى قلوب المشاهدين العرب، بأسئلتها الجريئة وقدرتها على التنقل بين أجناس أدبية وفنية مختلفة، في ظلّ جملة من النقاشات المحمومة بالسياسة والاجتماع. يدفعها هاجسها وفضولها إلى التقرب من الشخصية التي تستضيفها في مدة 45 دقيقة من أجل الحصول على أجوبة لأسئلتها، ولا تدع الضيف السياسي ينفرد بالحديث وإدارة الحوار، بل تظلّ حريصة على طرح الأسئلة الحارقة، بغية سبر أغوار الشخصية والكشف عن خباياها ومكنوناتها.
بمناسبة دخول برنامجها "ضيف ومسيرة" الذي تبثه "فرانس 24" عامه العاشر، كان لـ"العربي الجديد" هذه المقابلة مع عزيزة نايت سي بها:

كيف بدأ شغفك بمهنة الإعلام والصحافة وأنت تتركين الدراسة في الجامعة داخل شعبة الرياضيات لتلتحقي بالإعلام المرئي؟

كنت أحب الكتابة منذ الصغر وأعتقد أن أول حدث جعلني أهتم بعالم الأخبار كان حرب الخليج عام 1990. عمري آنذاك لم يكن يتعدى 14 سنة ورغم ذلك كنت أتابع الأخبار كل يوم، أناقش ما يحدث مع والدي وأصدقائه وأوثق كل يوم خلاصة الأنباء في دفتر احتفظت به بعد ذلك. عدد القتلى، الأخبار السياسية، تصريحات المسؤولين. لا أعرف لماذا قمت بذلك، ربما كون ابن عمتي صحافيا كان يكتب في جريدة في المغرب، كان بشكل غير مباشر مصدر إلهام.
في نفس الفترة تقريباً قمت مع مجموعة من أصدقائي في المدرسة الإعدادية بنشر مجلة تحمل عنوان "براعم غاندي" وهو اسم المؤسسة. قمنا بكتابة مجموعة من المقالات وحوارات. حتى أنّ جريدة السياسة الكويتية نشرت خبراً قصيراً وصورة لنا عن هذا الموضوع. لكنني بعد ذلك درست الرياضيات وانتقلت إلى الجامعة. في صيف 1997 أردت أن أكسب بعض المال خلال العطلة الصيفية فالتحقت بهيئة تحرير مجلة "كيفاش" ولم أغادر أبداً عالم الصحافة منذ ذلك اليوم.

بداياتك المهنية بالمغرب كانت ذات علاقة بالصحافة المكتوبة، وبعدها انتقلت إلى فرنسا للاشتغال كمقدمة برامج حوارية سياسية وثقافية. ما السر وراء هذا الاختيار؟ وما الخلفيات التي ساهمت في تكوين شخصيتك الإعلامية داخل بلدان متعددة؟

بالفعل بين مجلة "كيفاش" وجريدة "لوماتان" التي التحقت بها عام 1998، خبرتي في بداية حياتي المهنية كانت في الصحافة المكتوبة، وقضيت 9 سنوات أكتب. خلال التسع سنوات ذهبت إلى كندا لإطلاق مشروع إذاعة للشباب وكانت هذه أول تجربة لي في ميدان الإعلام السمعي، تجربة عززتها عام 2002 في "بور إف أم" بباريس ثم 2005 بإذاعة "مونت كارلو الدولية". كما شاركت في مشروع إعلامي آخر بكينيا في البرلمان الأفريقي للشباب. كنتُ كثيرة السفر بين 1999 و2004، بفضل عضويتي في العديد من المنظمات الشبابية الدولية، وهذا ما جعلني أهتم بالاخبار الدولية وتولد لدي فضول لمعرفة ما يحدث في العالم. عام 2001 أصبحت رئيسة القسم الدولي بالجريدة التي كنت أعمل بها، وبدأت أكتب عن الأخبار الدولية وأحاور شخصيات سياسية دولية عديدة. من هنا يتولد لدي حب الحوار ولا سيما الحوار السياسي.
أما الانتقال إلى فرنسا فلم يكن خياراً 100 في المائة. أردت أن أواصل دراستي للحصول على شهادة جامعية في المغرب عام 2004 وقيل لي آنذاك إن شهادة البكالوريا التي حصلت عليها عام 1995 "لم تعد صالحة" أي أنني لأقوم بالتسجيل في جامعة أو مدرسة عليا يجب أن أحصل على باكالوريا جديدة. لذلك جربت حظي مع جامعات فرنسية، وهنا تم قبول طلبي والاعتراف بتجربتي واقتُرح عليّ أن التحق بالسنة الثالثة في الجامعة مباشرة. لذلك غادرت المغرب للدراسة.

إلى جانب عملك كصحافية بفرانس 24 درست العلوم السياسية في شقها الدولي. كيف ساهم ذلك في تثمين مقابلاتك المهنية ونجاحك في تحقيق التواصل مع السياسيين؟

ليست دراسة العلوم السياسية هي التي تجعل منا محاورين سياسيين. أعتقد أن الفضول المهني وشخصية الصحافي هي التي تعزز قدرته على إدارة الحوار السياسي. كثيراً ما يحاول الضيف السياسي خصوصاً السيطرة على الحوار، تقديم آرائه دون الاكتراث بأسئلة المحاور. وهذا خطأ. هنا تظهر "شطارة" الصحافي في السيطرة على الحصة، والحصول على أجوبة من الضيف.

قمتِ بمرافقة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في تغطية صحافية إبان زيارة رسمية قام بها في أميركا. أولاً، ماذا يعني لك ذلك كصحافية مغربية مقيمة بفرنسا؟

كنت موفدة القسم العربي لفرانس 24. المهمة كانت جيدة، مرافقة رئيس فرنسي، تغطية الحدث ولقائه برئيس مثل باراك أوباما، الحصول على معلومات لم تبلغ الوكالات بعد وإبلاغ هيئة التحرير بها. مجملاً إن العمل على الأرض بصعوباته وجماليته كذلك، مختلف عن العمل انطلاقاً من الاستوديوهات بباريس. سنوات بعد ذلك سأرافق الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارة الدولة التي قام بها إلى واشنطن حيث التقى الرئيس دونالد ترامب. الأمور كانت مختلفة وكذلك أجواء الزيارة. لا سيما أن الرئيس الفرنسي لم ينجح بإقناع نظيره الأميركي بالبقاء في الاتفاق النووي الإيراني.

منذ سنوات وأنت تقدمين برنامج "ضيف ومسيرة" بفرانس 24 واستضفت عدداً هائلاً من المثقفين العرب على اختلاق مشاربهم الفنية. حدثينا عن بدايات هذا المشروع؟ وما الذي استطعت أن تحققيه من خلاله وأيضاً عن الذي لم يتحقق يعد؟

برنامج "ضيف ومسيرة" يدخل اليوم عامه العاشر. استضفت فيه قرابة 500 شخصية، سياسية، ثقافية، اقتصادية، اجتماعية... في البداية البرنامج كان يحمل اسم "ضيف وحدث" ومدته 17 دقيقة، البرنامج أصبح اليوم أطول برنامج حواري في القناة ومدته 45 دقيقة. حاولت منذ البداية أن يكون هناك توازن بين الضيوف الرجال والنساء، وكذلك التنويع الجغرافي. أعتقد اليوم انني استضفت شخصيات من كل الدول العربية تقريباً.
منذ 2017 غيرنا عدة أشياء في البرنامج، أصبحت له هوية خاصة بجينيريك وغرافيك خاص، وأصبحنا نختار محاور شهرية للبرنامج. سواء محور جغرافي: الشهر اللبناني، الشهر التونسي، الشهر الأردني... أو محور اختصاص: شهر الكتاب، شهر الفنانات، شهر الصحافيين... خلال زياراتنا للعالم العربي للتسجيل سعدت بلقاء جمهور القناة والبرنامج وشعبية هذا الأخير تكبر كل سنة ومتابعونا هم من الخليج إلى المغرب اليوم، وأنا أعتز بذلك.

في نفس الطرح، ما أهم الأسماء الثقافية العربية البارزة التي تحتفظين معها إلى اليوم بذكرى اللقاء والحوار والمساءلة المعرفية؟

كما قلت حاورت أكثر من 500 شخصية ومن بينها عدد كبير من الشخصيات الثقافية منها الفنانة التونسية هند صبري، المطرب العراقي كاظم الساهر، الممثلة المصرية يسرا، الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، الموسيقار اللبناني مارسيل خليفة، الكاتب المغربي عبد اللطيف اللعبي. وكثيرون لا تحضرني أسماؤهم.



يتّهم الإعلام المغربي في بعض الأحيان بالركاكة وعدم القدرة على التأثير في الرأي العام بحكم هزالة المنتوج المقدم والرقابة التي تمارسها بعض المؤسسات على الصحافة المكتوبة والمرئية، بسبب الدعم المقدم لها من الدولة والذي يجعلها في أحيان كثيرة تغض النظر عن الحقيقة. كيف تنظرين إلى هذه المسألة على الأقل في علاقتها بالإعلام الفرنسي المكتوب والمرئي منه؟

لا أتفق مع وصف الإعلام المغربي بالركيك أو الحديث عن هزالة المنتوج المقدم. أعتقد ان هذا نقد لاذع للإعلام المغربي التي تجمع كل مكوناته في نفس السلة. ففي المغرب كما في كل الدول، صحافيون قديرون ذوو مهنية كبيرة. لكن التوجه في العالم عامة وفي المغرب كذلك هو الإعلام الرقمي وهنا تبدأ المشاكل. تكاثرت المواقع والصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي والكل يدعي بأنه منبر إعلامي. ولا نجد إلا قليلاً احتراماً لأدبيات مهنتنا على هذه المواقع.
صحيح من ناحية أخرى أن الجرائد مثلاً تعيش على الإعلانات أو الدعم وهذا يصعب مهمتها أحياناً. فليس للقارئ العربي عامة إقبال كبير على عروض الاشتراك في الجرائد أو مواقع الأخبار رغم أنّ ذلك سيسمح لها في أن تكون مستقلة مادياً. لكن من ناحية أخرى، أصبحت بعض مواقع التواصل مثل تويتر مثلاً تسمح بالحصول على مساحة أكبر لحرية التعبير، ولكنها تبقى نخبوية في البلدان العربية.
المساهمون