عزوف الشباب المغربي عن المشاركة السياسية

عزوف الشباب المغربي عن المشاركة السياسية

02 ابريل 2015

شبان مغاربة يتظاهرون مطالبين بإصلاحات سياسية (19 يونيو/2011/أ.ف.ب)

+ الخط -
أثبت الحراك العربي أن الشباب المغربي يمتلك وعيا سياسياً، ويكترث بالمسألة الحقوقية والحريات أساساً للعيش المشترك وللعقد الاجتماعي. وقد تصدر الشباب المشهد العام للحراك الذي عرفه المغرب، وقاد الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية بتفاعل كبير مع تطلعات الجماهير، على الرغم من غيابه عن الانتماء الحزبي والمشاركة العضوية. وطالما كانت للشباب المغربي أدوار مهمة في الشأن السياسي، في المقاومة في الحقبة الاستعمارية، ثم بعد الاستقلال، وظفت الحركات اليسارية الشباب طليعة للتغيير، كما راهن اليمين الديني على الشباب في التنظيم والتأطير والحشد.
يمثل الشباب المغربي رصيداً استراتيجيا كبيراً، فنسبته من مجموع السكان تتجاوز 65%، وفي دولةٍ كالمغرب، تعرف تحولاً ديمقراطياً عميقاً، يقطع مع ممارسات الاستبداد، ويحث الخطى نحو آفاق الحرية والكرامة الإنسانية، يجب أن تكون المشاركة السياسية للشباب كثيفة وفعالة، غير أن إحصائيات للمندوبية السامية للتخطيط في المغرب تفيد بأن 70% من الشباب لا يثقون في جدوى العمل السياسي، و5% يؤمنون بالعمل الحزبي، و1% فقط يزاولون الفعل السياسي من داخل الهيئات السياسية، بينما يشكل الشباب 40% من الكتلة الناخبة.
يرجع انكفاء الشباب المغربي عن المشاركة السياسية إلى أعطاب بنيوية في المجال السياسي، انطلاقا من إرث ثقيل للماضي، كانت فيه الممارسة السياسية مرادفا للاعتقال والقمع. ومع أن هنالك مجهودات حثيثة بذلت لطي صفحات الانتهاكات الحقوقية، عبر مصالحة وطنية وجبر للضرر، إلا أن صورة العمل السياسي مازالت تعاني من أثر الفترات السابقة. ويعاني الحقل السياسي المغربي من ظاهرة تناسل الأحزاب المصاحبة لتماثل إيديولوجي في المرجعيات والبرامج السياسية، وذلك ناجم عن صراعات داخلية متعددة حول الارتقاء في المناصب والترشيحات الانتخابية، مع وجود فساد نخبوي كبير، يعيق التواصل مع المجتمع، ويضعف العرض السياسي المقدم للمواطنين. كما أن الأحزاب المغربية تعرف شيخوخة مهولة للقيادات، ونكوصا واضحا في الديمقراطية الداخلية. وترتبط هذه الخصائص بجذور الأحزاب التي كانت صنواً للزوايا الدينية والقبائل العشائرية، ويصبح بذلك رئيس الحزب شيخاً ومريداً يتفرد باتخاذ القرارات، ويبحث عن طاعة الأعضاء، بدل التوافق والتشاركية في تدبير الحزب، الأمر الذي يجعل مؤسسات الحزب عاجزة عن الوصل والفصل في شؤونه، وتحتاج إلى هيكلة شاملة تحفظ التوزيع المتوازن للسلطات.
 
وثمة التعامل الانتهازي للأحزاب مع الشباب المغربي، فيتم استحضار قضايا الشباب عند الاستحقاقات الانتخابية بخطاب سطحي، ومجاف للحقيقة، حتى يقضون وطرهم منها بالحصول على المغانم السياسية، عوض التوفر على رؤية رصينة ومتكاملة الأركان، ترصد مشكلات الشباب وانتظاراتهم، وتصوغ مشروعاً مجتمعياً يحقق تطلعاتهم، بإدماج الفاعل الشبابي في السياسات العامة شريكاً، وليس هدفاً لتلك السياسات، وتمكينه داخل الأحزاب لتبوء المراكز القيادية، ولحمل مشعل الانتقال الديمقراطي في المغرب.
في خضم الحراك العربي، بادرت الدولة المغربية إلى دعم المشاركة السياسية للشباب، بتخصيص 30 مقعد لهم في مجلس النواب، وتخفيض سن التصويت في الانتخابات إلى 18 عاماً، ونص دستور 2011 على توسيع مشاركة الشباب، وتعميمها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتيسير ولوجهم الميادين السياسية، الثقافية والعلمية، عبر إنشاء مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، يضمن تمثيلية لهم في تقرير أمور الأمة، كما تترتب عنه إسهامات عديدة للشباب في صناعة الأحداث والتفاعل معها، لكن التباطؤ في تفعيل هذا المجلس يصل إلى حد التواطؤ على المكتسبات الدستورية للشباب. وبناءً على ما تقدم، ينظر لهذه الإجراءات كتغيير صنمي لمفهوم مشاركة الشباب في السياسة، يفرّغه من قدرته التفسيرية، ومفعوله النقدي، بل هي بمثابة التفاف واحتواء ممنهج عن جوهره، على شكل مهادنة ومحاباةٍ، تتماشى مع زمن سياسي مضطرب.

إجمالا، تنعكس حالة الإفلاس الحزبي على الشباب بإحباط واسع، فقد كشفت إحصائيات أن الأحزاب غير معروفة لديه، حيث ذكر واحد من خمسة أنه لم يسمع بأي حزب، وستة أحزاب هي المعروفة عند الشباب، ويجهلون قيادتها وإيديولوجياتها، كما يرفض 80% من الشباب الانضمام إلى حزب معين. ويجد الشباب المغربي نفسه أمام انسداد سياسي، يفتح الباب لهجرة في التاريخ وفي الجغرافيا. فهناك من يفضل عبور البحار، بحثاً عن ملاذ يؤمن له مستقبلاً زاهراً، ويتيح له فرصة لتحسين معارفه وصقل مواهبه، ويتسم بمناخٍ يحفظ حرية الفكر والإبداع. وهناك من يهاجرون تاريخيا فراراً من اليأس والبؤس، للخلاص في الآخرة، بعد أن أصبحت الدنيا جحيماً في أعينهم، فيتجهون نحو التطرف الديني والإرهاب، ويصير النقل بديلاً للعقل، والتكفير بديلا للتفكير. وقد ذكر تقرير الوكالة الأوروبية المكلفة بمراقبة حدود دول الاتحاد الأوروبي "فرونتكس"، أخيراً، أن عدد المغاربة الذين حاولوا الهجرة غير الشرعية، في السنة الفارطة، بلغ 26250 شخص. واحتل المغرب الرتبة الثانية بعد سورية بين الدول التي أراد مواطنوها العبور إلى منطقة اليورو، بطريقة مخالفة للقانون. ويفيد بحث استقصائي حديث لمنظمة غالوب بأن واحداً من ثلاثة شبان مغاربة يرغب في الهجرة، أو يخطط لها، بسبب التوقعات السيئة، أو ضعف الفرص المتاحة، وتزداد هذه الرغبة مع المستوى التعليمي، و86% من الكفاءات الشبابية المغربية ترغب في العمل خارج البلاد. وقد وصلت هجرة الأدمغة المغربية إلى نسبة 18.5%، ليحتل المغرب بذلك الصف الثالث عالمياً، في تصدير العقول.
وأوردت تقارير إعلامية أن المغاربة في المرتبة الثانية من حيث الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية، كداعش وأمثالها، ومن الحوافز التي تدفع الشباب المغربي للانضمام لهذه المجموعات المقاتلة، بعد القناعة التطرفية والتكفيرية، رواتب سخية. وهنا، لا نرجع هذه المظاهر إلى تهميش مشاركة الشباب في تقرير مصائرهم عبر عمل سياسي منظم. لكن، يبقى الإقصاء والعزلة السياسية من عوامل هذه السيولة في الهجرة.

يحمّل بعضهم الشباب مسؤولية الغياب عن الساحة السياسية في المغرب، خصوصاً أن هناك شباباً ذا كفاءة، ولديه إلمام كبير بالسياسة، لكنه يرفض ممارساتها ويفضل الانطواء. بينما يرى شباب في المجتمع المدني ضالته للتغيير والإنجاز الحضاري، وتظهر استجابته الفعالة قوة اقتراحية وتقويمية للأداء العام للدولة، وتطفو عفويته الصادقة في مبادرات إنسانية خلاقة في المغرب. في حين يبدو النسيج الجمعوي معرّضاً لعمليات تدجين، تجعله واهناً وخاضعاً للوصاية والتبعية، فيتحول المجتمع المدني إلى عميل مزدوج، يعادي السياسة باسم الديمقراطية، ثم يدير ظهره للديمقراطية، باسم كونها معركة سياسية.
ختاما، تحتاج إشكالية المشاركة السياسية للشباب إلى مقاربة أفقية وشاملة، تتعاطى مع قضاياهم من كل الزوايا، لأن المسألة تستوجب من الدولة قطيعة تامة مع ممارسات الماضي التي ما فتئت تتحرش بالمستقبل، وإرساء نواة المواطنة الحقة التي لا تختزل الوطن في جماعة أو تنظيم أو حزب أو مؤسسة. إنها المواطنة التي تقرّ بأن لأبناء الوطن نصيبهم في مجده، ويتبادلون معه الولاء والعرفان. بالإضافة إلى تبني سياسة القرب الدائم من الشباب، بدل المهادنة والتعامل بمنطق حالة الطوارئ عند الفترات العصيبة، بتقديم حلول للمثالب والإكراهات، تجعل من الشباب منحةً، لا محنةً على الوطن.
صفوة القول، لا يتم تعزيز المشاركة السياسية للشباب المغربي إلا بوجود تيار رئيسي شاب، في هيئة كيان مؤسساتي قويم، يعتمد على الأهلية والكفاءة، متنوع الروافد الفكرية ومجدد للأنتلجنسيا المغربية، وقادر على تحمل المشاق وحامل رافعة الإصلاح. وفي غمار التسابق العلمي بين الدول، ومع غزارة معلوماتية متوفرة، ننتقل من المرحلة الأيديولوجية إلى المعرفية، فالشباب، في عصرنا، بما يملكه من حس نقدي وملكات تحليلية، قادر على رسم ملامح فردوس مجتمعي، يحلم به، ويعمل على تحقيقه، بعيداً عن وعود جنة الرأسمالية أو الاشتراكية التي تؤدي به إلى الانحياز وتنسيه أهمية الإنجاز.