عروس التلال

عروس التلال

16 ابريل 2015
أثرُ الحجر والبشر والشجر (Getty)
+ الخط -
تقع مدينة "بلوفديف"، ثاني أكبر مدينة بلغارية بعد العاصمة صوفيا، في سهل "تراقيا العليا"، على ضفّتي نهر ماريتسا، وتمتدّ بين سبعة تلال، وبحسب الحفريات الأثرية، تبلغ من العمر ثمانية آلاف عام، ولها ثمانية أسماء، ويسكنها اليوم نحو 350 ألف نسمة، معظمهم من البلغار، إلى جانب نسبة قليلة من الغجر.

بناها التراقيون في الألف الرابعة قبل الميلاد، وأطلقوا عليها اسم إيفمولبيا "Evmolpia". تعرّضت إلى عدة احتلالات، ومع كل احتلال كان يتغير لقبها، ويُضاف طراز جديد إلى أنماط عمارتها، ما جعل بلوفديف تزدان اليوم بمزيج متباين، من الأوابد واللقى الأثرية وفنون العمارة، وهو يعود إلى مختلف الحضارات التي تعاقبت على أرضها، من التراقية والإغريقية، إلى الرومانية فالسلافية والعثمانية والبلغارية.

ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، شهدت "بلوفديف" حراكاً هاماً على كافة المستويات وغدت مركزاً لحركة التحرير الوطنية، وحين تحررت من العثمانيين عام 1878، افتُتحت فيها أول دار للطباعة باللغة البلغارية. في تلك الفترة، عاش في المدينة الكثير من الأثرياء والمتعلّمين، الذين كانوا يجوبون أوروبا، ثم يرجعون إليها محمّلين بنزعات ثقافية جديدة، بينما كان التجار المحلّيون، يظهرون اهتمامهم الملحوظ بالتصاميم العمرانية الفخمة، وبناء دور واسعة، أنيقة الهندسة، كثيرة الزخارف.

ومن المدرّج الروماني الأثري الذي خضع للترميم، وأصبح المكان الأجمل لإقامة العروض المسرحية، تنبسط أمام الناظر "بلوفديف القديمة". وما إن تخرج من حي الأثرياء، حتى تدخل حي "كابانا" أو المتاهة، وسُمي كذلك بسبب أزقّته الملتوية، وهو مكان خاص بالمحالّ التي تنتج، وتبيع الأشغال اليدوية التقليدية من الحلي والملابس وغيرها.

بشطريها القديم والحديث، تحفل بلوفديف بالفنادق والمطاعم وأماكن الترفيه والمرافق الرياضية، وفيها يُقام العديد من المهرجانات السنوية للمسرح والسينما والرقص، لكن أهمية المدينة، لا تقتصر فقط على مناسباتها الثقافية، ولا على قيمتها التاريخية والأثرية، ومزاوجتها الناجحة ما بين فنون التراث والحداثة.

أهميتها تنبع أيضاً من كونها مركز استقطاب صناعي وتجاري، كما أن أراضيها الخصبة، تجعلها من أهم المناطق الزراعية في بلغاريا، وفيها يجري تنظيم "سوق بلوفديف الدولي"، الذي يغدو في كلّ عام ميداناً لتبادل السلع والخبرات والمعلومات بين التجار من كل أرجاء العالم. التلال التي ترتفع في أرجاء بلوفديف، أشبه بالحدائق والمنتزهات العامة، تتوزع فيها المقاعد الخشبية والمماشي.

أعلاها "جنديم تبه" أو تلّ الشباب، وقد أُعلن منطقة محميّة، لما فيه من نباتات متوطّنة وطبيعة محفوظة، وأنواع حيوانية كثيرة. وعلى قمة تلّ "بونارجيكا" يتربّع نصب "أليوشا" للجيش السوفييتي، أما على رأس تل "ساخات تبه" فينتصب برج الساعة، العائد إلى القرن السادس عشر، ويُعتبر هذا التلّ المنتزه المفضّل للعشّاق والفنّانين الجوّالين، تحديداً الشباب العازفين على القيثارات.

دلالات

المساهمون