عرقلة صفقة القرن وتوابعها

عرقلة صفقة القرن وتوابعها

30 يونيو 2019
تظاهرة في لبنان ضد ورشة المنامة (محمد غيلدي/ الأناضول)
+ الخط -
من الواضح أن مؤتمر المنامة، "ورشة السلام للازدهار الاقتصادي" بحسب التسمية الأميركية، كإحدى أدوات صفقة القرن، لا يحظى بأي شعبية ليس على المستوى الفلسطيني فقط، بل على المستويين العربي والإسلامي، عوضاً عن الرفض المطلق من كافة أطياف الشعب الفلسطيني وقواه السياسية، ويبقى تأييد أو تبني الصفقة يقتصر على بعض الأنظمة العربية الخليجية التي استضافت المؤتمر أو أعلنت حضورها بمستوى عالٍ بمجرد دعوة جارد كوشنر لها (البحرين، السعودية، الإمارات)، بالإضافة إلى أصحاب المشروع الأصليين؛ الإدارة الأميركية وحكومة اليمين الصهيوني في إسرائيل.

وكون المؤتمر، ومشروع صفقة القرن من إعداد نتنياهو واليمين الحاكم في إسرائيل وبتبني وإخراج أميركي وتأييد بعض الأنظمة العربية لا يعني قبولاً تلقائياً من النظام العربي الرسمي الحليف للولايات المتحدة، ولا من أنصار مشروع التسوية، رغم الجبروت الأميركي والطيف الواسع من أدوات الضغط التي من الممكن أن يوظفها، بل إن المعارضة للمؤتمر، وما يمكن أن يتمخض عنه، بدأت في التبلور وبصوت مرتفع خاصة على المستوى الشعبي، ومنها مؤتمر ملتقى العلماء المسلمين (هيئة علماء المسلمين ورابطة علماء فلسطين في لبنان) في صيدا، ومؤتمر جمعية الوفاق البحرينية في بيروت، والورشة المشتركة للجنة الحوار اللبناني الفلسطيني ومجموعتا العمل اللبنانية والفلسطينية، والتي عقدت قبل وبموازاة مؤتمر المنامة 25 /26 حزيران/ يونيو، وبحضور حركات أحزاب وشخصيات شعبية من العالمين العربي والإسلامي في تظاهرة شعبية ضد المؤتمر ومشروع صفقة القرن التصفوية، ورغم أن مؤتمر بيروت والفعاليات الشعبية جاءا بدعوة رموز إسلامية وطنية، وفي سياق شعبي عام، وعلى نحو عاجل من دون ترتيبات ملائمة نظراً لضيق الحيز الزمني إلا أنه يرنو إلى تحقيق عدة أهداف:

تسجيل الاعتراض العلني وبصوت عالٍ على مشروع صفقة القرن، وعدم الاكتفاء بالتعبير عن المواقف الرسمية على أهميتها في وسائل الإعلام، ورغم أن الحركة الوطنية الفلسطينية والشعوب العربية المثقلة بأنظمة الاستبداد تفتقر إلى الأدوات لإبطال مشروع تصفية القضية الفلسطينية، إلا أنها لا تعدم الوسائل التي تستطيع من خلالها تسجيل موقف تاريخي، وهي رسالة للإدارة الأميركية والمتواطئين معها بأن قبول بعض المتصهينين العرب وحفنة من الانتهازيين السياسيين لا تعني البتة الشعوب العربية وقواها الوطنية الحية المعبرة عن ضمير الأمة.

العمل على إحراج الأطراف العربية المشاركة وإبراز دورها في حملة التطبيع التي يقودها نتنياهو، وخلق فجوة بين الشعوب العربية وقواها السياسية المناصرة للحق الفلسطيني والرافضة لكل المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، وبين المنخرطين في مشروع صفقة القرن، ومن ثم عزلها عن السياق العربي العام، ورفع الكلفة المعنوية والجماهيرية لأي مشاركة مستقبلية في خطوات أخرى لتطبيق صفقة القرن.

لا يمكن استبعاد الصراع الإقليمي الدائر بين محور الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة والمشاركة في مخططاتها وتتقدمها السعودية ومصر والإمارات وفي قلبه إسرائيل، وبين المحور المعارض بقيادة إيران، وقد أعلن لبنان الذي شهد فعاليات شعبية لافتة والعراق المحسوب على المحور الإيراني رفضهما المشاركة في مؤتمر المنامة، وترى إيران في المؤتمر فرصة لمناكفة الإدارة الأميركية، خاصة أن مؤتمر المنامة يتعلق بقضية لها مكانة خاصة لدى الشعوب العربية والإسلامية.

في جميع الأحوال فريق ترامب مُصر على طرح مشروع صفقة القرن بغض النظر عن وجهة نظر الشارع العربي ومساحة الرفض الواسعة التي تشمل الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية وكل الشعوب العربية والإسلامية، وما يشجع الإدارة الأميركية على ذلك غياب الشعوب العربية عن مركز القرار، وتماهي بعض الأنظمة العربية الاستبدادية مع سياسات ترامب في المنطقة، والتحالف السري بين هذه الأنظمة واليمين الحاكم في إسرائيل، بالإضافة إلى محدودية الخيارات لدى القيادة الفلسطينية والتي لا تملك في جعبتها سوى إعلان الرفض، والضعف الفلسطيني العام بسبب الانقسام والحصار والضغوط الإقليمية والدولية، وهو ما يشجع ترامب على الاستمرار في طرح مشروع صفقة القرن، خاصة أن ترامب على موعد حتى نهاية العام المقبل مع معركة انتخابية صاخبة يولي فيها اهتماماً كبيراً لأصوات المسيحيين الإنجيليين المولعين بالنبوءات التوراتية ومعارك نهاية التاريخ، والعنصريين البيض المفتونين بـ"المعجزة اليهودية" و"عظمة إسرائيل".

الأهم من مشروع ترامب لتصفية القضية الفلسطينية ومؤتمر البحرين الاقتصادي وربما الإعلان عن الشق السياسي من صفقة القرن نهاية العالم الحالي، وبعيداً عن الرفض الفلسطيني والشعبي العربي، هو سياسة إسرائيل التي تفرضها كأمر واقع في الضفة الغربية ومدينة القدس ومع القضية الفلسطينية بشكلٍ عام، وهي سياسة ممتدة ممنهجة تصاعدت وتيرتها بعد اتفاق أوسلو عام 1993، تجاوزت الحكومات المتعاقبة والأحزاب المشاركة في الائتلافات الحكومية، وتسير قدماً بغض النظر عن تطورات عملية التسوية، وعن أطروحات الإدارة الأميركية، وهو ما تمهد الطريق للحل الإسرائيلي من طرف واحد، وتجعل منه المخطط العملي الوحيد المطروح، ولكن ما طبيعة هذا المخطط وهل يتقاطع مع مشروع صفقة القرن وأدواته كمؤتمر المنامة وإلى أي مدى تم إسقاطه على أرض الواقع:

استبدال التسوية السياسية بالحل الاقتصادي، عبر الاستثمارات الضخمة في البينة التحتية، وخلق فرص العمل.

فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على مدينة القدس، مع إبقاء الأماكن المقدسة مفتوحة للعبادة لجميع الأديان، وفرض الطابع اليهودي التوراتي على مجمل المدينة، وتقليص عدد الفلسطينيين الـ 12% من مجمل السكان في القدس الشرقية والغربية، مع العلم أن عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية نحو 332 ألفاً، 37.7% من عدد سكان مدينة القدس الشرقية والغربية (900 ألف).

حشر الفلسطينيون في الضفة الغربية في 38% من مساحتها، وهي من "أ" و "ب" حسب اتفاق أوسلو، وضم حوالي 60% من الضفة وهي المنطقة "سي"، مع العلم أن عدد المستوطنين بلغ مع نهاية 2018 نحو 420 ألف مستوطن في كتل استيطانية مترابطة تقطع أوصال الضفة وتحولها إلى كنتونات تحيط بها المستوطنات والجدران والطرق الالتفافية.

إفراغ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من مضمونها السياسي وتحويلها إلى وكيل أمني في خدمة الاحتلال.

تكريس واقع قطاع غزة كمستقبل للدولة الفلسطينية الواعدة، بعد إنهاء سلاح المقاومة، وعودة السلطة لتعميم تجربة التنسيق الأمني في الضفة، وتوجيه كنتونات الضفة الغربية لتكون تابعة لدولة غزة.

ينظر اليمين الصهيوني الحاكم في إسرائيل إلى مؤتمر المنامة كأداة اقتصادية لصفقة القرن قد تخدم مشروع الحل الإسرائيلي ممثلاً بسياسة الأمر الواقع التي فرضت وما زالت، ولكن، بغض النظر عما تطرحه الإدارة الأميركية والرفض الفلسطيني والشعبي العربي، فإن إسرائيل ماضية في تطبيق مخططها الخاص بها والذي أسست له منذ سنوات بل منذ عقود، والذي يؤدي حتماً إلى تصفية القضية الفلسطينية، سواء بمخطط صفقة القرن ومؤتمر البحرين أو بدونه.