كلفة السفر مرتفعة (فرانس برس)
بالرغم من استقرارهم في ألمانيا، وعملهم وانتساب أطفالهم إلى مدارسها، يبقى للمغتربين العرب حنينهم إلى بلدانهم الأصلية الذي لم تذهب به سنوات الغربة الطويلة.
قبل الثورات العربية عام 2011 وما تبعها من أحداث أمنية في كثير من البلدان، كان العائق الوحيد أمام زيارة المغتربين لبلدانهم هو الكلفة المالية المرتفعة. لكنّ العوائق تعددت منذ ذلك التاريخ، وأبرزها ما يتعلق بالأوضاع الأمنية السيئة والخضّات المفاجئة. لذلك، يفضل بعض المغتربين البقاء في ألمانيا خلال إجازاتهم والامتناع عن زيارة الوطن الأم.
لكن وبالرغم من ذلك، فإنّ مكاتب السفريات تؤكد على أنّ الحجوزات إلى الدول العربية نشطة لموسم الصيف، وتشير إلى أن 90 في المائة من المقاعد محجوزة والتذاكر مباعة، فيما يتوجّه أغلبها إلى لبنان، والأردن، والعراق، ومصر. وتبقى شكوى المغتربين من ارتفاع أسعار التذاكر، خصوصاً للعائلات الكبيرة التي لا يقتصر إنفاقها على تذاكر السفر بل يمتد إلى كلفة الإقامة.
هذا الأمر يدفع المهاجر في بعض من الأحيان إلى التخلي عن كثير من الأشياء من أجل تأمين كلفة الرحلة إلى بلده الأصلي. فمنهم من تسوء حالته المادية بسبب الرحلة، ومنهم من يبحث عن وسيلة السفر الأرخص، كالطيران غير المباشر.
أما المغتربون العرب، الذين تشهد بلدانهم أحداثاً أمنية فيفضلون السفر إلى مناطق آمنة قريبة من بلدانهم. ومن ذلك إقبال السوريين على زيارة لبنان والأردن وتركيا من أجل رؤية عائلاتهم، في حال كانت ظروفهم المادية تسمح لهم بهذا.
كذلك، يتطلع المغتربون العرب بفارغ الصبر للحظة الوصول إلى أرض الوطن للتمتع بالأشياء البسيطة التي يفتقدونها في الغربة، خصوصاً في مواسم الأعياد.
وعن ذلك، تقول اللبنانية إيمان: "أشتاق إلى حضن والدتي وشرب فنجان قهوة صباحاً على شرفة منزلنا في ضيعتي الجنوبية". أما عمر فيشتاق إلى ضجيج العاصمة الأردنية، عمّان، واجتماعه بأصدقائه في قهوة العم سليم، وإلقاء التحية على المارة. ويقول: "رائحة بلدي تعطيني جرعة لأعود إلى روتين غربتي، لذلك أُصرّ على زيارة وطني كل سنة".
وتقول نادية: "أعشق بلدي مصر.. وبالرغم من كل التحذيرات لن أوقف زيارتي السنوية إليها، فأنا أعيش هناك متعة حياتي".
هذا الإصرار الدائم عند معظم المغتربين العرب هو بمثابة سعي لتحقيق حلم طال انتظاره. ويأتي حرص بعض العائلات على زيارة الوطن بشكل دائم في إطار المحافظة على الترابط والتواصل العائلي والاجتماعي، خصوصاً للأولاد، كي يبقوا على علاقة وطيدة بأصولهم ولغتهم الأم. فمثل هذه الزيارات تجعلهم يتمسكون بأصولهم أكثر، وتمنع طغيان الثقافة الألمانية عليهم وحدها. ففي ألمانيا تختلف العادات والتقاليد والعلاقات الاجتماعية لتنسي بعض الناس أنّ لهم أقارب وأصدقاء في مكان آخر هو أيضاً وطنهم. ولذلك يسعى الأهل إلى تعليم أبنائهم أسلوب الحياة العربية مع ما فيه من قواعد سلوكية، تمنع انخراط الأبناء في ألمانيا بنمط لا يناسب الأهل.
وبذلك، تتكرر زيارات المغتربين مع عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية. فهم يعتبرونها بمثابة شحن لبطاريات الوطنية في عروقهم، بالإضافة إلى كونها استجماماً بدنياً ونفسياً وروحياً يبعدهم عن الهموم، ويمنحهم أيام استمتاع دورية.
تعتبر هذه الزيارات مرتكزاً أساسياً وتقليداً سنوياً لا يحيد عنه المغتربون العرب. ولو أنّ بعضهم تجبره الظروف الاقتصادية أو الأوضاع الأمنية على عدم تحقيق ذلك. فالمغترب، وباختصار، يرى في الزيارة متعة يذوق بها حلاوة اللقاء والقرب من الوطن والأحبة، ويرتشف من عبق هوائه ما يصبّره على العودة بنشاط واستعداد نفسي إلى عمله وحياته الألمانية بما فيها من ضغوطات وقلق وحنين. ودائماً ينتظر تجدد اللقاء.
وطنان وليس واحداً
يشعر 77 في المائة من المهاجرين في ألمانيا، ومن بينهم العرب، أنَّهم ألمان ويعرِّفون عن أنفسهم بهذه الصفة بحسب دراسة أخيرة. ومع ذلك فإنّ هؤلاء يرتبطون ببلدانهم الأصلية ارتباطاً وثيقاً يشعرهم أنّ لديهم وطنين وليس وطناً واحداً، ولو أنّ الارتباط يضعف مع كلّ جيل جديد من أبناء المهاجرين.
اقرأ أيضاً: المهاجرون يحبون ألمانيا كأهلها الأصليين