عراقيات في دوامة العنف... صرن أكثر بؤساً بعد الحرب

عراقيات في دوامة العنف... صرن أكثر بؤساً بعد الحرب

26 نوفمبر 2017
المرأة العراقية تنادي بحقوقها المهدورة(تويتر)
+ الخط -
يتجذر العنف ضد المرأة في العراق ليأخذ أشكالاً متخلفة، ولا يقتصر على الضرب أو سوء المعاملة بل يصل إلى حدّ إهدار حق شريحة كاملة من النساء اللواتي قست عليهن ظروف الحروب المستمرة في البلاد، لتجعل أكثر من مليوني امرأة من الأرامل والمطلقات ينال منهن الإهمال الحكومي.

تشرح إسراء جبار (30 عامًا)، ظروفها الصعبة لـ"العربي الجديد"، وتقول: "في عام 2006 فقدت زوجي، خطف أثناء ذهابه إلى العمل في المزرعة، تاركاً لي حملاً ثقيلاً. فكان عليّ أن أعتني بطفلينا، وأقوم بدور الأب والأم معاً. ولأني كنت صغيرة في السن وقليلة الخبرة، عانيت كثيراً، من رفض أهلي إبقاء أطفالي معي ويطالبوني بأن أتركهم في بيت أعمامهم، ومن رفض الأعمام أخذهم لأن زوجاتهم لا يسمحن بذلك. ومن خشيتي على أطفالي من الضياع رفضت الزواج مجدداً، خصوصاً بعد أن هددني أحد أعمامهم بأخذهم في حال تزوجت".

وتشير إلى أن "المعاناة لم تقف عند هذا الحد، بل كان عليّ مراجعة دوائر الحكومة للحصول على راتب شهيد لضمان حقوق أطفالي، وأصبحت الأعباء أكبر بمواجهة مجتمع لا يرحم. ولم يعد هناك احترام كبير للمرأة التي تعمل وتقضي أمورها بنفسها. وبعد مراجعات دامت أكثر من عامين لم أحصل على أية حقوق. كما أن الحكومة العراقية تركتني أعاني عنفاً آخر بعرقلتها ملفات آلاف الأرامل والمطلقات أو الأمهات الثكالى اللواتي يبحثن عن حقوق أبنائهن".

أما نعيمة محسن (25 عامًا)، فتقول لـ"العربي الجديد"، "العنف يطاولني كل يوم، زوجي يضربني ويسيء لي لفظيًا دون أسباب، حتى أني طلبت منه أن يراجع طبيبا نفسياً، كما يرفض أهلي أن أطلب الطلاق خوفاً من نظرة المجتمع للمطلقة".

وتذكر محسن أنه "في إحدى المرات أغلق فمي باللاصق، وضربي بعنف، وبعدها طلب مني أن نخرج للعشاء معاً. أحيانا أشعر أنه مصاب بانفصام الشخصية، وأحيانا أراه مدركا تماما لما يفعل، نتيجة حب التملك وإيذائي كأنني أحد الأشياء التي يمتلكها". وتتابع "فكرت كثيراً بالانتحار بعد أن عجزت عن التصرف مع رجل كهذا. أتمنى لو كنت أعيش في مجتمع ينصف المرأة لكنت أخذت حقي من زوجي دون أن أرأف بحاله".

عنف الحروب، وتبعاتها، نال من نساء العراق (تويتر) 





تعنيف المرأة ظاهرة وليس حالات فريدة


وتقول الناشطة سلاف محمود، لـ"العربي الجديد"، "إن المرأة المعرضة للإيذاء البدني واللفظي وسوء المعاملة في أي مكان وزمان، لا يدرك معنّفها أنها إنسان لديه كيان خاص ومشاعر يجب أن تحترم"، مشيرة إلى أن العنف ضد المرأة لا يقتصر على مجتمع دون آخر، إذ إن حقوق المرأة تُمتهن في أميركا أيضاً، حيث توجد نساء من غير مأوى ولا طعام ولا شراب. لكن العنف في الدول المتقدمة لا يبرر العنف ضد المرأة في العراق بل نتحدث عنه لإظهار الحقائق.

وتبين محمود أن تعنيف المرأة أصبح ظاهرة ولم يعد حالات فردية، كما أن نسبته ارتفعت بنحو 70 في المائة في البلاد، خصوصاً بعد الغزو الأميركي.

يشاركن بإعالة أسرهن ولا يحظين بالتقدير (أحمد الربيعي/فرانس برس) 


وعن أسباب العنف واختلافها باختلاف البيئة الاجتماعية تقول: "هناك قضايا غسل العار التي تعاقب المرأة دون الرجل، وهناك عمل المرأة الشاق داخل المزارع حيث يعامل الرجل النساء كأنهن آلات، في حين يتولى هو بيع المحصول وجني الأرباح بعد يومها الشاق داخل مزرعتها وبيتها".

وتؤكد أن أشكال العنف كثيرة ولا يمكن حصرها، لكن أبرزها الحروب التي مرت على العراق منذ أربعة عقود، وارتدت عواقبها على المرأة أكثر من الرجل، بعد أن أهدرت الحكومات المتعاقبة حقوق النساء.

أرامل ومطلقات يستجدين المعونة (كارل كورت/Getty) 


وتضيف إلى الأسباب الفقر وسوء الحالة الاقتصادية للأسرة، ونظرة المجتمع الخاطئة للمرأة على أنها ناقصة عقل ودين، وعدم الرأفة والإنسانية وعدم الاكتراث بعواقب الإساءة اليها، وعدم تحمل بعض الرجال مسؤولياتهم كأزواج أو آباء أو إخوة وأبناء، وقلة الاحترام بين أفراد الأسرة، وتفضيل الذكور على الإناث، وانتشار متعاطي المشروبات الكحولية والمخدرات في المجتمع.

وتطالب محمود المنظمات غير الحكومية والمجتمع بالسعي لضمان احترام حقوق المرأة، وعدم تعنيفها حتى بالنظر وهي تسير في الأسواق، وعدم تهميش حقها، إضافة إلى تشريع وتفعيل قوانين تناهض العنف ضد المرأة.

تهميش الحكومة للعراقيات وتركهن في فقر وحاجة  أحد أشكال العنف( فيسبوك)


وتدعو كلّ من الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضدّ المرأة في العراق (2013-2017) والاستراتيجية الوطنية للنهوض بواقع المرأة، التي تم تبنيها في 2014، إلى سنّ تشريعات خاصة بالعنف ضدّ النساء. ويحظر الدستور العراقي كل أشكال العنف والتعسف في الأسرة.


المساهمون