عدوان لبنان 2006 بمنظور أميركي: فقدان الثقة بجيش الاحتلال

عدوان لبنان 2006 بمنظور أميركي: فقدان الثقة بجيش الاحتلال

24 يناير 2017
إسرائيل تقصف لبنان في يناير 2016 (أفيهيو شابيرا/فرانس برس)
+ الخط -
نشر مركز أبحاث الأمن القومي كتيباً يحتوي على مجموعة من المقالات حول نتائج العدوان الثاني على لبنان في العام 2006، مخلفاً هزيمة لإسرائيل لناحية فشل هدفها المعلن من الحرب في القضاء على حزب الله، أفضت إلى استقالة وزير الأمن الإسرائيلي وقتها، عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش، دان حالوتس. ويشمل الكتيب مقالات تناولت مسألة فشل العدوان وتداعياته على عقيدة الجيش، وسياسة الردع، والمواجهة المقبلة مع "حزب الله".

ومن أبرز المساهمات هو المقال الذي نشره المستشار في البيت الأبيض، إليوت أبرامز، والذي يكشف عن بعض جوانب الموقف الأميركي من العدوان، وتحولات هذا الموقف خلال الحرب، مع تكريس إخفاق الجيش الإسرائيلي في المعارك، وإطالة أمد العدوان، وصولاً إلى نقطة فقدان وزيرة الخارجية حينها، كوندوليزا رايس، بحسب ما يكتب أبرامز، لثقتها برئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، إيهود أولمرت، وبقدرة الجيش الإسرائيلي على حسم المعركة وتوجيه ضربة إلى "حزب الله" تنهي الحرب في وضع جديد مخالف للوضع الذي كان سائداً قبل العدوان. وبحسب ما يكتبه أبرامز، فإن أهداف الولايات المتحدة، عند بدء العدوان، ووقوف الولايات المتحدة بشكل كامل إلى جانب إيهود أولمرت بقرار العدوان، كانت تقوم على الاعتقاد بأن الحرب ستكون خاطفة، وأن كل ما يلزم أولمرت هو 10 أيام لإخضاع "حزب الله" وحسم الحرب، لكن سرعان ما تكرر قول أولمرت، أكثر من مرة، أنه بحاجة لعشرة أيام إضافية، طالت مع الوقت، وهو ما جعل رايس تفقد ثقتها به وبقدرة جيش الاحتلال.

ويؤكد أبرامز أنه كان لنتائج العدوان تداعيات على نظرة الطرف الأميركي إلى الصراع مع الفلسطينيين من جهة، وعلى العلاقات بين رايس وأولمرت. وبحسب أبرامز فإن تأييد الولايات المتحدة للعدوان كان بغية تحقيق مصالح أميركية هامة، انطلاقاً من القناعة التي سادت لدى غالبية الدول الأوروبية، وبعض الدول العربية أيضاً، بأن الحرب ستدار جيداً، وأن الجيش الإسرائيلي سيخضع "حزب الله" ويوجه له ضربة قاضية، ما سيمنح الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة نقاط امتياز إضافية. وكان المأمول من الحرب أن تضعف مكانة وتأثير إيران في المنطقة، مقابل تعزيز مكانة إسرائيل، وتوطد مكانة أولمرت الداخلية تمهيداً لتحرك على الصعيد الفلسطيني. هذه الأسباب والآمال كانت وراء معارضة الولايات المتحدة في بداية العدوان لمطلب وقف إطلاق النار في 19 يوليو/تموز، ومرة أخرى في 26 منه، خلال مؤتمر وزراء الخارجية الأوروبيين، إذ كانت الولايات المتحدة تتجه نحو العمل لتطبيق القرار الدولي رقم 1559 (الذي يطالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان، ويدعو إلى حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها).

لكن تطورات المعارك والقتال بعد أسبوعين من بدء الحرب في 12 يوليو/تموز 2006، كما يكتب أبرامز، بدأت تظهر أن الجيش الإسرائيلي لن يكون قادراً على الحسم العسكري، فيما اتسعت دائرة المدنيين في لبنان المتضررين من الحرب، من جهة، واشتدت أصوات الاحتجاج داخل الدول العربية نفسها. ويحدد أبرامز أن الأسبوع الثالث للحرب شكل نقطة التحول في موقف رايس وتوقعاتها من الحرب، مع ضرب محاولات الولايات المتحدة تمرير خطوات لجهة الدفع بقوات دولية ذات صلاحيات فاعلة في لبنان. كما اتضح أن إسرائيل ألحقت ضرراً عادياً بالحزب خلافاً لما كان متوقعاً، وهو ما أدى لاحقاً للوصول إلى القرار الدولي 1701 (وقف العمليات القتالية في لبنان وسحب إسرائيل كل قواتها من جنوب لبنان وانسحاب حزب الله إلى شمالي نهر الليطاني)، تحت ضغط الدول العربية. لكن القرار لم يطبق كاملاً، بحسب أبرامز، وأدى إلى نتائج غير التي توقعتها الولايات المتحدة، إذ زاد "حزب الله" من تعاظم قوته، فيما بدا أن إسرائيل فشلت في تحقيق مكاسب سياسية، بعدما لم تتمكن أن تحصل في الأمم المتحدة على ما فشلت في تحقيقه في ميادين القتال، وهو ما لم يكن بمقدور الولايات المتحدة أن تحققه لها.

ومن أبرز ما يخرج به أبرامز في تحليله لنتائج العدوان هو ترسخ قناعة عند إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن (الذي كان أبرامز مستشاراً خاصاً له)، بعدم قدرة إسرائيل على إدارة شؤونها الأمنية بنفسها، وانعدام الثقة بقدرة حكومة أولمرت، خلافاً للوضع الذي ساد إبان حكومة آرييل شارون، وبالتالي وصلت رايس إلى قناعة تفيد بأنه في ظل هذا الوضع، لم يكن بمقدور أولمرت أن يتوجه لإطلاق مبادرة سياسية تجاه الفلسطينيين. وقادت هذه القناعة التي ترسخت لدى كوندليزا رايس، إلى أن تطلق التحرك الأميركي لتنظيم مؤتمر أنابوليس في حينها، ومحاولة التوصل إلى اتفاق شامل أيضاً مع سورية عبر مؤتمر دولي.

ويكشف أبرامز أن رايس، وفي سياق الاستعداد لطرح الأفكار الجديدة، كانت قد طلبت من مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية الاستعداد لنشر لواء من القوات الأميركية في الضفة الغربية للحفاظ على السلام بعد التوصل إلى اتفاق تسوية مع الفلسطينيين بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الضفة الغربية. وبموازاة ذلك، عادت رايس أيضاً لتبني موقف خبراء الشؤون العربية في الخارجية الأميركية الذين أكدوا أن العلاقات الأميركية العربية تحتاج إلى تقدم على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية.

ويخلص أبرامز، في نهاية مقاله، إلى القول، إن عملية أنابوليس لم تلحق في نهاية المطاف ضرراً بإسرائيل، وإنما ملأت "فضاء المنطقة" سياسياً بين صيف 2006 ونهاية إدارة بوش في يناير/كانون الثاني 2009، بشكل ساعد على حماية إسرائيل من ضغوط إضافية، وخطط جديدة، وجهود أوروبية وما شابه ذلك، تماماً كما كان الحال عند تنفيذ خطة الانسحاب من قطاع غزة، حين كان شارون، بحسب أبرامز، أبلغ بوش أنه قرر تنفيذ الانسحاب من غزة في 2005 من طرف واحد وتركيز الأضواء عليها. ووفر الانسحاب لشارون فرصة تعطيل مبادرات طرحت في ذلك الوقت، بعد تهميش دور الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (حين كان رئيساً للحكومة الفلسطينية) من قبل الراحل ياسر عرفات. ومن هذه التحركات السياسية، كانت مبادرة جنيف لأبو مازن ويوسي بيلين، ومبادرة الاستفتاء القومي التي طرحها سري نسيبة وعامي أيالون. ولم ترق المبادرتان لشارون، فعزز خطة الانسحاب من غزة لصرف الأنظار عنهما، ولملء الفضاء السياسي في المنطقة بمشروع غزة أولاً.

دلالات