عدلي منصور يستبيح التشريع ولا يستثني الزرائب

عدلي منصور يستبيح التشريع ولا يستثني الزرائب

08 فبراير 2014
+ الخط -
بإصداره تعديلاً تشريعياً في قانون الزراعة يسمح للجهات التنفيذية بتحميل المزارعين تكاليف مالية استثنائية مقابل عمليات تطهير الزرائب وتنظيفها واختبار عدوى الحيوانات، يكون الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور أول شخص تولّى السلطة التشريعية في مصر خلال وضع استثنائي، وقام بتعديلات تشريعية في قوانين تمس جميع فئات الشعب وشرائح المجتمع، دون تفويض من برلمان منتخب، ودون أن يتم انتخابه شعبياً أو حتى الاستفتاء على رئاسته.

فمنصور الذي تولّى رئاسة مصر بصفته رئيساً للمحكمة الدستورية العليا بقرار من القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح السيسي، عقب الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/ تموز الماضي، أصدر العديد من التشريعات التي يصنّفها القانونيون والسياسيون على أنها "ليست ملحّة" ولكنها استهدفت فقط إرضاء وزارات ووزراء بعينهم، وبناءً على توصيات حكومية وليست شعبية، ودون عرضها على الحوار المجتمعي.

وخالف منصور ما تعهّد به عند توليه الرئاسة بعدم الإفراط في استغلال السلطة التشريعية التي أوكلت إليه، بعدما أصدر بنفسه إعلاناً دستورياً بحل مجلس الشورى المنتخب في 4 يوليو/ تموز الماضي.

مكافأة الجيش

استهلّ منصور أجندته التشريعية بإصدار قانون مقدّم إليه من القوات المسلحة لزيادة رواتب ضباط الصف والجنود، وذلك في اليوم الثاني له في منصبه.

وأصدر منصور في نهاية أغسطس/ آب قراراً جمهورياً بالعفو عن 5 سجناء سعوديين في قضايا إتجار بالمخدرات محكوم عليهم بالسجن المؤبد، سبق ورفض الأمن العام الإفراج عنهم خلال عهدي مبارك ومرسي.

وفي 12 سبتمبر/ أيلول أصدر منصور تعديلين تشريعيين، أثارا جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية، في قانوني المناقصات والمزايدات والمناطق الصناعية، يحرران الهيئات الحكومية التي لها قوانين خاصة من التقيّد بإجراءات المزايدات والمناقصات في عمليات البيع والشراء، ويرفعان الحد الأقصى للتعاقد بالأمر المباشر لشراء المنقولات وتلقّي الخدمات لصالح الوزارات والهيئات الحكومية.

وبناءً على هذا التعديل التشريعي، فإن القانون أصبح يسري فقط على وحدات الجهاز الإداري للدولة، من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وهي التي لا تملك الأراضي الزراعية أو الصحراوية.

وبالتالي لم يعد قانون المزايدات هو القانون العام الواجب تطبيقه على الهيئات التي تملك التصرّف في أراضي الدولة، على عكس ما استقرت عليه الأحكام الإدارية العليا والقضاء الإداري السابقة منذ صدور حكم بطلان عقد "مدينتي" عام 2010.

وكان هذا القانون قد صدر من مجلس الشعب عام 1998، وتم تعديله مرتين، برلمانياً أيضاً، ولم يمارس حسني مبارك أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة سلطاتهما التشريعية المؤقتة في وقت غياب البرلمان لتعديله، رغم المشاكل الكثيرة التي أثيرت حول تطبيقه.

تمديد الحبس الاحتياطي

ثم أصدر منصور قانوناً يتيح للسلطات القضائية تمديد فترات الحبس الاحتياطي بدون حد أقصى، ملغياً بذلك الحد الأقصى الذي كان مقرراً بسنتين، والذي تم سَنُّه أيضاً من قبل مجلس الشعب في عهد مبارك.

وبناءً على طلب حكومة حازم الببلاوي، المعروف قرب عدد من أعضائها من دوائر المصارف والبنوك، ألغى منصور القانون الذي أصدره مجلس الشورى في مايو/ أيار الماضي القاضي بإخضاع أرباح البنوك بالكامل للضرائب، بغية تعظيم الحصيلة الضريبية والمساواة بين البنوك وغيرها من المؤسسات الاقتصادية.

ولم يقتصر التشريع الذي أصدره منصور على إلغاء القانون وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، بل امتدّ ليشمل تحرير هذه الأرباح بالكامل من الضرائب، عدا 80% من مخصصات القروض.

قانون التظاهر

وبلغت مسيرة منصور التشريعية ذروتها بإصدار قانون التظاهر ودفاع مؤسسة الرئاسة عنه باستماتة، بعد حوار مجتمعي صوَري حوله، لم ينتج عنه تغيير أي من المواد التي تضمنها المشروع المقدم من الحكومة، اللهُّمّ إلاّ بعض التعديلات الشكلية التي أدخلها قسم التشريع في مجلس الدولة.

وتضمّن القانون السماح للشرطة بوقف التظاهرة وإخطار منظميها بذلك متى توافرت للشرطة دلائل على تعريضها السلم الاجتماعي للخطر، مع تشديد عقوبات الجرائم أثناء التظاهر، ومنعه أمام جميع الهيئات والمؤسسات والمباني الحكومية الرئيسية التي اعتادت التظاهرات الخروج أمامها.

تنظيم الصحافة

وأدخل منصور تعديلات غير مبررة على قانون تنظيم الصحافة تهدف لإعادة تعيين رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية بقرارات من المجلس الأعلى للصحافة، الذي أصدر منصور قراراً بإعادة تشكيله فور تولّيه الحكم.

كما أصدر منصور تعديلات على قانوني كادر المعلمين والجامعات بناءً على رؤية المجموعة الوزارية التعليمية التي يرأسها نائب رئيس الوزراء حسام عيسى، ومن دون عرضها على المعلمين أو نقابتهم التي يقودها التيار الإسلامي.

الحقوق السياسية

وأدخل منصور أيضاً تعديلات تشريعية على قانون مباشرة الحقوق السياسية سمحت للناخبين بالتصويت في غير محافظاتهم ولجانهم الأصلية، بناءً على إيعاز من القوات المسلحة والحكومة، سعياً لزيادة نسبة المشاركة في الاستفتاء الأخير على مشروع الدستور الجديد، بدعوى إتاحة الفرصة لثمانية ملايين مصري، خارج مناطقهم الأصلية داخل البلاد، بالتصويت، وذلك رغم التحذيرات من عدم وجود ضمانات أكيدة لمنع تكرار التصويت.

ولم يؤد هذا التعديل التشريعي غير المدروس إلاّ لمزيد من إرباك اللجان بسبب ضعف الربط الإلكتروني بينها، والعودة لاستخدام نظام كشوف الوافدين البدائي الذي كان معمولاً به قبل ثورة يناير والذي لا يضمن عدم تكرار التصويت، ورغم ذلك كله شارك 424 ألف ناخب إضافي فقط.

كادر الأطباء

وكانت الحلقة قبل الأخيرة من مسلسل الاستغلال المفرط للسلطة التشريعية من قبل منصور هي تمرير قانون كادر المهن الطبية الجديد الذي أعدته وزارة الصحة بمعزل عن نقابة الأطباء والنقابات الفرعية، بالتزامن مع انعقاد جمعية عمومية طارئة للنقابة لرفض تمرير مشروع القانون.

وينطوي هذا التشريع على التفاف واسع على قانون كادر الأطباء الذي عكفت على إعداده النقابة العامة لفترات طويلة خلال عهدي المجلس العسكري ومرسي، وكان قريباً من الإصدار نهاية عام 2013، وكان تعطيله يعود فقط لضعف الموارد المالية، حيث خرج قانون وزيرة الصحة المعيّنة من قبل الرئيس المعيّن بصورة مغايرة تماماً لقانون الكادر، وبحوافز وبدلات هزيلة لا تُصرف إلاّ بناءً على تقييم جهة الإدارة للأطباء، ولا تمسّ رواتبهم الأساسية.

سلطة مقيّدة

ويعلّق المستشار عادل فرغلي، الرئيس الأسبق لمحاكم القضاء الإداري، على سياسة منصور في استخدام السلطة التشريعية بقوله: إن الرئاسة المؤقتة لأي بلد يجب أن تكون سلطتها التشريعية مقيّدة بحدود الأمور الملحة فقط، وليست المسائل التي يمكن الانتظار عدة أشهر أخرى لحسمها من قبل البرلمان المنتخب، ولا سيما أن جميع هذه القوانين يجب أن تُراجَع مستقبلاً في البرلمان.

ويضيف فرغلي: معظم القوانين ذات الملامح الفئوية التي أصدرها منصور ليس لها أدنى مبرر، كما أن القانون الخاص بالتظاهر كان يجب عرضه على حوار مجتمعي جاد قبل إصداره، وكذلك القوانين الخاصة ببيع أراضي الدولة ولا سيما أنها جميعاً مقترحة من قبل حكومة غير ممثلة ديموقراطياً.

سلوك غريب

ومن جهته، رفض المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، الإفراط في استخدام السلطة التشريعية من قبل الرئيس المؤقت، موضحاً أنه "سلوك غريب على قاضٍ تولّى رئاسة الجمهورية في فترة حرجة سياسياً"، داعياً إياه لوقف استخدام سلطته التشريعية إلاّ في الأمور الملحة.

وأوضح الجمل أن تولّي منصور السلطة التشريعية في وضع مؤقت لا يعني أن تشريعاته نائية عن الرقابة، لأن البرلمان المنتخب سيراجعها جميعاً، والمشكلة تكون في جبر الأضرار أو إلغاء الآثار المؤقتة التي ترتبت على هذه التشريعات خلال فترة سريانها قبل إلغائها أو تعديلها.