عبقرية الجاز والمخدرات في ذكرى رحيل تشارلي باركر

عبقرية الجاز والمخدرات في ذكرى رحيل تشارلي باركر

07 سبتمبر 2020
ولد تشارلي باركر في أسرة فقيرة في كانساس سيتي (Getty)
+ الخط -

يعتبر الكثيرُ من النقاد تشارلي باركر (1920-1955)، الملقب بـ "بيرد" (العصفور)، باختصار، أفضل موسيقي جاز في القرن العشرين. عشقه سمّيعة الجاز، وأطلق عليه الملحّن المشهور، ستيف رايش، لقب "باخ الجاز" إذْ وضعه في مرتبة يوهان ستيباستيان باخ. وكان كثيرٌ من الشباب، منهم مثلاً مايلز ديفيس، يعتبرونه رمزًا أبويًا. ولكن، إثر إدمان المخدرات، تحوّل الموسيقي الشاب العبقري، إلى وحش اجتماعي. إذْ من أجل الحصول على المال لشراء الهيرويين، خدع أصدقاءه في الفرقة، وسرق جزءًا من أتعابهم. 
ولم يكن باركر استثناءً في جيله، إذْ إن الكثيرين من الموسيقيين من حوله كانوا غارقين أيضًا في عالم المخدرات. كان ثمّة شعار شائع في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي يقول: "الجنس والمخدرات والروك أند رول". وتضخّمت قائمة الوفيات بسبب المخدرات بين نجوم موسيقى الروك، مثل جيمي هندريكس وجانيس غوبلن وكورت كوبين وإيمي واينهاوس. ولكن المخدرات انتشرت أيضًا في عالم موسيقيي الجاز، وخاصة الجيل المحيط بتشارلي باركر. 
وفي بحث ذكي أجراه الطبيب بول آدامز ونشره في المجلة الكندية لأمراض الجهاز الهضمي، درس فيه عمر الوفاة لحوالي 80 فناناً يعملون في موسيقى الجاز. وأكّد البحث بأنّ "أسلوب حياتهم الفوضويّ يقصر من عمرهم". إذْ أدّت سنوات من تعاطي الكحول والمخدرات إلى تليف الكبد والتهابه، وبالتالي الوفاة المبكرة. قام آدامز بتحليل تاريخ أعمار عظماء موسيقى الجاز، إذْ توفي باركر عن عمرٍ يناهز الـ 34 عامًا، وعازف الساكسفون جون كولتراين في سن الأربعين، والمغنية المعروفة بيلي هوليداي في الرابعة والأربعين. ويسأل آدامز: "كيف كانت موسيقى الجاز ستكون الآن، لو عاش هؤلاء المجددون لـ 80 عامًا؟". ليس هذا فحسب، بل شكّل سؤال المخدرات والإبداع في جو الجاز، نقطة خلاف ونقاش بين المثقفين والفلاسفة، إذْ نشرت أبحاث ومقالات حول "دور المخدرات في صناعة الجاز" أو "هل المخدرات طريق للعبقرية الإبداعية أم الموت المبكر؟". 

من بين أشهر الأمثلة الحزينة موت عازف البزق الأسطوري بيكس بيدربيك عام 1931، وكان يبلغ من العمر 28 عامًا فقط. كان بيدربيك من أصحاب البشرة البيضاء، ولم يكن يعاني من العنصرية مثل فناني الجاز السود، ولكن رغم ذلك، عاش حياة صعبة بسبب الرواتب المنخفضة، رغم أنّ موسيقاهم كانت تمتلك شعبية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. 
ولد تشارلي باركر في أسرة فقيرة في مدينة كانساس سيتي، حصل على أوّل ساكسفون له لما كان عمره 13 عامًا، تمكن لأوّل مرة من جمع المال في حياته، إذْ أظهر موهبة في العزف مكنته من القيام بجولات في المقاطعة مع فرق أخرى. 
جاء إلى نيويورك في عام 1942، ووقتها كان مدمناً على المخدرات، إذْ أصيب بكسر في أضلاعه وعموده الفقري في عام 1937، وحقن نفسه من أجل تخفيف الألم بالهيرويين، وثم أصبح هذا السم جزءًا من حياته. اتصفت شخصيته بالانسحاب والاكتئاب، ووقع في مشاكل كثيرة مع السلطات، وحاول الانتحار وقضى نصف عام في مستشفى للأمراض العقلية. 


ولكن هذا المدمن كان يمتلك موهبة استثنائية تسحر الناس، إذْ اهتم بشكل حقيقي بالموسيقى الكلاسيكية، وكان أيضًا كاتبًا مثاليًا، ويمتلك ذاكرة صورية دقيقة، ولكن قبل كل شيء، فإن باركر كان يمتلك السلطة الأساسية في عالم الجاز: الارتجال.
لكن من جهة أخرى، كانت هنالك أسباب كافية لموسيقيي الجاز من الشباب السود للهرب من الواقع القاسي عن طريق المخدرات. العمل الصعب في النوادي المليئة بالتدخين، العنصرية البيضاء، واستهلاك موسيقى الجاز مع وجبات العشاء، ورحلات مرهقة وكئيبة إلى أنحاء الولايات المتحدة الأميركية. 
يبقى السؤال الذي طرحه باركر وجيله، هل كانت هذه الحياة الصاخبة سببًا في إبداعهم أم لانقطاع إبداعهم؟

دلالات

المساهمون