عبد السلام الطويل: كتابة الأيام واستعمالها

عبد السلام الطويل: كتابة الأيام واستعمالها

18 سبتمبر 2016
الكاتب في بيته
+ الخط -

"قد يتناول الأدب معاني وليس أفكاراً، إن الأدب ليس تفكيراً، ولا يمُثّل منزعاً أو مقاربة أدبية أو علمية أو فكرية... وهو لا يقتصر على طرح الأسئلة بصدد الأشياء التي لم تجد جواباً لها..."، لكنّ كاتب هذه العبارة؛ نفخ الهواء في أسئلة تبحث عن إجابات جزيلة.

يعيش صاحب "اختطاف الغابة"؛ عبد السلام الطويل (1963)، في طنجة منذ أربعين عاماً أو يزيد، هذا العمل، الذي صدر العام الماضي، وهو أحدث إصداراته، والذي يصفه بـ "محكيات ذاتية"، وفيه مجموعة من النصوص التي تقع في المسافة بين الكتابات الأدبية والفكرية، هي كما يعرّفها كاتبها "تتضمّن إلغاء للشكل وخلطاً بين عدة أجناس أدبية، وتبحث في الحدود الفاصلة بين الإحساس والفكرة".

لتحديد هذا الفاصل بين الإحساس والفكرة، نجد الطويل يبحث عنه بعيداً عن الأضواء والفعاليات الثقافية، يعيش في منطقة بعيدة عن مركز طنجة، شمال المغرب، يقول لـ "العربي الجديد": "ابتعادي عن الحياة الثقافية في طنجة ليس عنوة، إنّما هذه تركيبتي النفسية وخصوصيتي، لا أحبّ الأضواء وعشت على هامشها وهامش الحياة".

لا شك أن كلّ كاتب يحتاج إلى جمهور يصادق كتاباته، لكنّ حالة الانعزال التي اتخذها الطويل كانت "خياراً في زمن معين" لن يستطيع التراجع عنه الآن.

عمل الطويل بعد إنهاء دراسته الجامعية في الفلسفة في الصحافة المحلية بعض الوقت، ومثلها في التعليم الذي شكّل عالم روايته الأولى "أكاديمية أرخميدس" (1996) بعد انطلاقه من القصص القصيرة؛ تعرّض بعدها الكاتب لملاحقة مدير المدرسة التي كان يعمل بها متهماً إياه بأنه يتقصّد الكتابة عنه.

يقول: "لم يكن التعليم يعجبني، لقد اضطررت إلى دخوله وكنت أرغب في دراسة الهندسة المعمارية. لقد أخذ المدير مواقف بائسة ضدي وانتهت علاقتي بالتعليم بعد رواية "مطر المنور" (2001) وتحدثت فيها أيضاً عن مشاكل التعليم والمدارس".

أصبحت "المحكيات" (الجنس الأدبي الخليط) كما يرى الطويل انعتاقه الأخير من الشذرات والقصص والرواية، يقول صاحب "أيام مستعملة": "قاطعت كتابة الشذرات لأن كثيرين اعتمدوا توليفتها في الكتابة"، في حين أن المحكيات تمنح "الحرية في الكتابة عن تجربتي الحياتية وكل من أصادفه ويحدثني عن قصصه".

لعلّ المحكيات المروية في "زمن مغلق كبريد الأحد" و"اختطاف الغابة" متشابهة لدرجة أن تناول الذات والكتابة عنها واضح ويشي بأن الكاتب يعيش تجربة حياتية جديدة بعد انتقاله إلى مسكن جديد في طنجة، ولكن هل هذه الذات منغلقة كبريد الأحد؟

يجيب الطويل: "يعجبني انفتاح الذات ولا يعجبني امتداحها، والذات موجودة في مختلف نصوصي، لكنها ذات تخاطب ذوات أخرى، لا أعني هنا الاختلاف على أن تكون ذاتاً منغلقة وفريدة، كما ينادي الفرنسيون، على العكس، الذات هي منطقة مشتركة، وعندما يكون الإنسان صادقاً في التعبير عن ذاته يمكنه أن يعمّم ذلك على الذوات المتبقية".

وظلّت الكتابة سبيل "الشعور بوجوده" رغم أنّه خسر بيته ومكتبته واضطر أن يكتب تحت الطلب ويترجم بعض الكتابات عن الفرنسية التي أتاحت له الانفتاح على الأدب الفرنكفوني، يقول: "قرأت لروّاد الرواية الفرنسية الجديدة أمثال نتالي ساروت وميشيل بوتور وكذلك أعمال صامويل بيكيت، لكنها رواية مقتضبة وجدية وموجزة، غير مقنعة"، فجاءت "الواقعية السحرية" التي ميّزت أدب خورخي لويس بورخيس وغابريل غارثيا ماركيز المظلّة التي وقف تحتها الطويل وكتب عن أشياء "غير ملموسة لكن واقعية" متأثراً بتجربة الأدب الأميركولاتيني الذي "لا تضاهيه أي تجربة أدبية أخرى" كما يصفه، وقد حاول الكتّاب المغاربة أن يحاكوا تلك التجربة لكنهم "وقعوا في فخ الفنتازيا".

حالياً، انتهى صاحب "شتاء وشيك" من كتاب بعنوان "الإسلام، عودة السحر إلى العالم- الفصل والوصل بين الدين والدولة (المغرب نموذجاً)"، يقول عنه "أبحث في فلسفة الفرد المغربي خصوصاً الطنجاوي المتديّن، وهو ليس متديناً سوى سطحياً ويعتقد أن الله سيكافئه بالجنة أو النار، ولكن إن أزلنا تلك المكافأة لن يؤمن بوجود أحد".

في آخر أعماله المطبوعة "اختطاف الغابة" عن دار "سليكي أخوان" يتناول الكاتب المغربي شخصية "المثقف الانتهازي" وادعاءاته ومناوراته التي تعكس مدى تردّيه وتبعيّته للسلطة، يقول: "ما يسود داخل المجتمع يسود في ثقافته أيضاً، كثير من المثقفين اعتبروا أنفسهم ثوريين، بل كانوا حقيقة يتسابقون لمدح السلطة. أعتقد أن "الربيع العربي" كان يناضل في أفق ثقافي جديد، لكنّ الخيبة الآن أن هناك من يدعون إلى تجسير الهوة بين المثقف والسلطة، وهذا استبداد بشكل آخر".

ويكمل "في المغرب ما زلنا ممنوعين من تناول الذات الملكية أو الحديث عن التراب الوطني وشريحة كبيرة من الكتّاب يمنحون لأنفسهم الرقابة الذاتية، لذلك ما زالت الثقافة المغربية ثقافة رسمية".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرتقى ثم المنحدر

بعد "اختطاف الغابة" يعدّ عبد السلام الطويل لمجموعة "محكيات" جديدة بعنوان "مرتقى" يتحدث فيها عن تجربة عيشه في حيّ "مرشان" في طنجة، يقول: "كان الاكتئاب في ذلك البيت يصل المرتقى ثم المنحدر. عند المرتقى يصل الإنسان للإشراق ويعتقد أنه لم يعد مريضاً، وأن حضور وجدانه يعني الانتصار. والمرتقى أيضاً هو رأس شارع "الحسن الثاني" في "مرشان" الذي عشت فيه أربع سنين ذات خصوصية". 


المساهمون