عبد الرحمن بدوي: المحاضرة الضائعة في بنغازي

عبد الرحمن بدوي: المحاضرة الضائعة في بنغازي

03 سبتمبر 2015
بدوي في بورتريه لـأنس عوض / "العربي الجديد"
+ الخط -

"عبد الرحمن بدوي في بنغازي، المحاضرة الضائعة"، كتاب جديد صدر عن "دار الساقية"، من إعداد المؤرّخ الليبي سالم الكبتي.

يتناول العمل جزءاً منسياً من حياة المفكر المصري في بنغازي، منذ وصوله إلى ليبيا عام 1967 قادماً من جامعة السوربون في باريس التي كان أستاذاً للفلسفة فيها، حتى مغادرته البلاد في 1973، عقب خروجه من السجن الذي زجّه فيه نظام القذافي برفقة عدّة مثقفين ليبيين، تنفيذاً لـ"فلسفة الثورة الثقافية" التي أعلنها آنذاك، وكانت باكورة حقبة عاشتها ليبيا وصلت ذروتها عام 1977 بإعلان ما يسمى بسلطة الشعب وصدور "الكتاب الأخضر".

يسلّط الكتاب الضوء على السيرة المهنية لبدوي من خلال عمله في بنغازي، وهو يتضمّن محاضرة كانت ضائعة من بدوي نفسه، وكذلك حواراً نادراً لم ينشر من قبل، ووثائق وصوراً ورسائل شخصية.

كان بدوي من الشخصيات الثقافية المحبوبة لدى المثقفين في بنغازي، وذلك لجهده العلمي في نشر الثقافة الفلسفية، وتطويره لقسم الفلسفة في كلية الآداب. وقد استفاد صاحب "الزمان الوجودي" من حضوره في ليبيا كي يشتغل على التراث الفلسفي الذي مرّ بهذه الأرض؛ حيث تصدّى لدرس الفلسفة القورينائية، التي كان مركزها مدينة شحات التي بناها الإغريق، في الجبل الأخضر (شرق ليبيا)، وكشف أهميتها في ما يتعلّق بالأبيقورية أو مذهب اللذة.

ورغم أن بدوي، انتقد في كتابه "سيرة حياتي"، الحقبة التي عاشها في بنغازي من أكثر من جانب، وبشكل غير موضوعي غالباً، إلا أن معظم المثقفين الليبيين ظلّوا على تقديرهم له، معتبرين الأمر مجرّد رد فعل غاضب على سجنه، وخصوصاً أن معظم من درس لدى بدوي في قسم الفلسفة، صار من الأسماء المعروفة في مجاله، مثل علي الريشي ونجيب الحصادي، وفتح الله انديشة وغيرهم.

من الحكايات المجهولة التي أوردها كتاب سالم الكبتي، نقرأ أنه بعد إعلان استقلال ليبيا بأسبوع، نشر بدوي مقالاً في صحيفة "اللواء الجديد" الصادرة يوم الإثنين 31 كانون الثاني/ يناير 1951، عنوانه "ليبيا وليدة المناورات الاستعمارية".

اعتبر بدوي، في مقاله، أن الدولة الليبية الناشئة وُلدت مشوّهة الاستقلال، وناشد في نهاية كلامه "رجال "الجامعة العربية" القابعين في القاهرة قريباً منه، عدم قبول ليبيا عضواً في تلك الجامعة حتى لا تزيد للنفوذ البريطاني مُمثلاً جديداً في رحابها".

عندما كتب ذلك، لم يكن بدوي يعرف أنه سيصير، بعد 16 عاماً، أستاذاً في الجامعة الليبية في بنغازي حين رمته الظروف التي ألمّت بالتعليم العالي في مصر إثر ثورة يوليو 1952 خارج بلاده، فعاش فترة في باريس مدرّساً في السوربون.

في سياق آخر، يورد الكبتي عن بدوي أنه "اهتم بالفلسفة اليونانية في قورينا، وحقق وكتب عنها وترجم ما يتّصل بالفِرَق الإسلامية في الشمال الأفريقي، وكان من الواجهات العلمية التي تصدّرت الجامعة التي ألقى محاضرة عن دورها في الذكرى الخامسة لتأسيس الجامعة الليبية في ديسمبر/ كانون الأول 1970.

وثمة مقابلة وحيدة تضمّنت حواراً أجراه معه بكر عويضة ونُشرت في صحيفة "الحقيقة" الليبية في فبراير/ شباط 1969، تناول فيها موضوعات كثيرة عن الحرية والالتزام والفلسفة، وتعرّض بالنقد إلى جان بول سارتر".

يُذكر أن مؤلف الكتاب ومُعدّه أنجز عدة أعمال تؤرخ لليبيا الحديثة، خصوصاً للحقبة السنوسية. كما وضع عدّة مؤلّفات عن كتّاب ليبيين راحلين، مثل الصادق النيهوم وخليفة الفاخري، ضمن مشروع للتأريخ للثقافة الوطنية في البلاد، سخّر له الكبتي مكتبته الخاصة، التي تسعى إلى ضمّ مختلف الإصدارات الليبية، وأرشيفاً لمعظم الكتّاب الليبيين.

كما يجمع المؤرخ مسوّدات بخط اليد وصوراً ووثائق، حصّل معظمها بطرق ودية، وأحياناً برغبة الكتّاب أنفسهم في أن يكونوا جزءاً من أرشيفه الثقافي.

دلالات

المساهمون