عبد الحسيب عبد القدير... مكافح يسعى إلى مشروع كبير

عبد الحسيب عبد القدير... أفغاني مكافح يسعى إلى مشروع كبير

07 ابريل 2018
الصبر والمثابرة سرّ النجاح (العربي الجديد)
+ الخط -
عبد الحسيب يدرس ويعمل في الوقت عينه، ما يسمح له بالاقتراب من حلم التخصص في الاقتصاد من جهة، وتأمين معيشة أهله وتعليم شقيقيه من جهة أخرى.

رسب الشاب الأفغاني عبد الحسيب عبد القدير مرتين في الامتحان الشامل للالتحاق بالجامعات الحكومية، ولم يتمكن من الحصول على مقعد يرغب به في كلية الاقتصاد. لم يكن السبب غير الوضع المعيشي والانشغال بكسب لقمة العيش لأسرته. مع ذلك، كان عبد الحسيب طموحاً، فلم ييأس أبداً بل واصل مسيرته حتى تمكن من الالتحاق بكلية الاقتصاد في جامعة كابول، من خلال امتحان شامل تقدم به للمرة الثالثة.

في الوقت الحالي، يدرس عبد الحسيب (25 عاماً)، في السنة الجامعية الثانية ويحقق تقدير "ممتاز" دائماً. كذلك، تمكن من تطوير عمله التجاري، وبات يملك محلاً كبيراً للألبان والأجبان في أحد أسواق كابول. وبذلك، يعمل ويدرس في الوقت نفسه. يقول عبد الحسيب إنّ التوفيق بين الأمرين صعب جداً، "خصوصاً أنّي أحافظ على درجة الامتياز كما أطور عملي التجاري بشكل دائم، إذ لا أكتفي الآن بتحصيل الرزق فقط بل هو مشروع على المدى الطويل. الصبر والمثابرة ومساعدة الأهل سرّ التوفيق بين العمل والدراسة". هذا ما يسمح له بالتفكير في مشروع أكبر، ويقول "أريد أن أوسع مشروع الألبان إلى مستوى البلاد".

عاش عبد الحسيب كثيراً من الأيام الصعبة إلى ما قبل ثلاث سنوات من الآن. لم يكن يملك أجرة المواصلات حتى، إذ يأتي من مديرية بغمان، مسقط رأسه، في ضواحي كابول، إلى العاصمة للدراسة. في أحيان كثيرة كان يمشي ساعات طويلة كي يصل ويعود في المساء إلى منزله بالطريقة نفسها، بينما كان أقرانه يأتون في السيارات. يقول عبد الحسيب: "كدت أيأس لكنّي لم أستسلم لظروف الرسوب".




يوم ضاقت السبل على عبد الحسيب، فكر الشاب في العمل، ليس لأنّه يئس من الدراسة والنجاح في الامتحان، بل ليساعد أهله. وبدأ في شراء الألبان في القرية ثم بيعها. رويداً رويداً طور العمل ففتح محلاً له في القرية، وبعد عدة أشهر والحصول على بعض المال فكر في نقل العمل إلى المدينة. بفضل "دعاء الوالد والوالدة"، كما يقول، حصل على مكان جيد لفتح المحل، وها هو الآن يفكر في تطويره إلى الأحسن. يقول إنّ "الأمور كلّها في يد الله. لم أكن في يوم من الأيام أفكر في العمل إلى جانب الدراسة والحصول على مقعد في كلية كنت أحلم بها طوال حياتي".

ولد عبد الحسيب في منطقة براجي في مديرية بغمان، في أسرة كانت تعيش في وضع معيشي سيئ. كان الأب عبد القدير (75 عاماً)، يشتغل في الحقول مزارعاً لدى آخرين. وكان يمتهن كلّ مهنة متاحة له لأجل لقمة العيش لأولاده. ومع صعوبة الحياة كان يرسل أولاده إلى المدرسة، إلّا أنّه كان عاجزاً عن توفير ما يحتاجون إليه حتى من الكتب والدفاتر. وكان أبناؤه الثلاثة يواصلون الدراسة تارة ويتركونها تارة أخرى، لكن، عندما بدأ عبد الحسيب في تأمين دخل للعائلة، لم ينقطع هو أو شقيقاه عن الدراسة، وهو ما جعل الوالد والوالدة في غاية السرور والراحة.

يقول عبد القدير: "تسرني جداً رؤية أولادي في الصباح وهم يخرجون إلى الدراسة. وكلّ ذلك بفضل عبد الحسيب الذي ترك النوم والراحة لأجل دراسته ودراسة شقيقيه، وها هو الآن عثر على مبتغاه. تفوق في الدراسة وفي العمل. كما يوفر للجميع ما يحتاجون إليه".

يطمح الوالد في أن يكمل ابناه الآخران عبد البصير وعبد المتين الدراسة ويساعدا أخاهما عبد الحسيب، الذي كان له الفضل في ذهابهما إلى المدرسة. يقول: "أريدهما أن يساعدا أخاهما في المشروع التجاري، فبسببه تتحسن حالة الأسرة كلها، وبفضل عمله يمكن لهما أن يواصلا دراستهما ويحققا أحلامهما أيضاً".

أما طموح عبد الحسيب، فهو إلى جانب المشروع التجاري، نيل شهادة في الاقتصاد، والتخصص في هذا المجال. يشدد على أنّ "كلّ ما يواجه بلادنا من مشاكل سببه الوضع التعليمي المتدهور والحالة الاقتصادية السيئة. وبتطوير الحالة المعيشية والوضع التعليمي يمكن لأفغانستان أن تخرج من المأزق الحالي".

لكي يصل إلى هدفه المنشود، يعمل عبد الحسيب على مدار الساعة من دون أن ينظر إلى الوراء ومن دون أدنى التفات إلى الظروف المحيطة به والعقبات في سبيله. يقول: "لا يخلو طريق من التحديات، لكنّي أواجه مع كلّ الأمل في المستقبل". أبرز التحديات تعامل البعض معه بأشكال عديدة غير مناسبة، والفساد في كلّ القطاعات، خصوصاً التجارة، إذ هناك غش في تجارة الألبان، ما يؤثر على عمله. وليست التحديات تجارية فحسب، بل يمتد الأمر إلى التأثير السلبي عليه من الناحية النفسية، إذ يحاول البعض أن يحبط آماله. مع ذلك، هو متفائل، ويعتبر أنّ طريقه الوحيد هو طريق الكفاح في وجه كلّ التحديات التعليمية والمعيشية والمهنية، ومحاولة الوقوف في وجه الفساد.




قصة عبد الحسيب عبد القدير هي قصة كثير من الشباب المكافحين في أفغانستان، ممن يحاولون أن ينجحوا بالرغم من العراقيل التي وضعتها ظروف الحرب الممتدة من نهاية سبعينيات القرن الماضي مروراً بفترة حكم طالبان وصولاً إلى الغزو الأميركي وما بعده. هي ظروف لا يتطرق إليها عبد الحسيب، فغايته الوصول إلى أعلى مراتب النجاح بصرف النظر عن أيّ ظرف.

المساهمون