عبدالسلام بلاجي لـ"العربي الجديد": الحكومة و"العدالة والتنمية" لم يفشلا

عبدالسلام بلاجي لـ"العربي الجديد": الحكومة و"العدالة والتنمية" لم يفشلا

28 اغسطس 2016
دعوات مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية غير واقعية (عن الانترنت)
+ الخط -
يتحدث القيادي في حزب "العدالة والتنمية" المغربي عبدالسلام بلاجي، في حوار مع "العربي الجديد"، عن تجربة حزبه في قيادة الحكومة الحالية التي يرى أنها أثبتت قدراً من الكفاءة والنزاهة، معتبراً أن ترويج الحديث عن "غضبة" الملك المغربي محمد السادس على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، "يدخل ضمن تفنّن القوى المضادة للإصلاح في اختراع أدوات الحرب السياسية والإعلامية لإرباك خصومها". ويفتح بلاجي الباب موارباً إزاء أي تحالف انتخابي بين حزب "العدالة والتنمية" وغريمه اللدود حزب "الأصالة والمعاصرة"، قائلاً إن كل شيء ممكن في السياسة". كما يتطرق إلى الفارق بين التجربتين التونسية والمغربية بعد الربيع العربي، متحدثاً عن الفارق بينهما. إلى نص الحوار مع بلاجي:

يشتكي حزب "العدالة والتنمية" أخيراً من حملة قال إنها تستهدفه من قِبل "قوى التحكم" في المغرب. من هي "قوى التحكم" التي يقصدها الحزب تحديداً؟
قوى التحكم ليست جهة واحدة بل هي مجموع القوى الإدارية والسياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والإعلامية وغيرها المستفيدة من الأوضاع الراهنة، ولذلك فهي تقف في وجه أي إصلاح حقيقي لهذه الأوضاع، لأنها تجد نفسها متضررة من هذه الإصلاحات، وهي دائماً تخترع الادعاءات والدعايات الإعلامية المناسبة للوقوف في وجه الإصلاحات والقوى الإصلاحية ومحاربتها. في بداية الاستقلال وُصف حزب "الاستقلال" بأنه يريد الهيمنة والقضاء على الملكية فتم تقسيمه، وفي الستينيات اتهمت قوى اليسار بالإلحاد والانقلابية والتبعية للخارج فتم إجهاضها، وبعد ذلك اتُهمت قوى التيار الإسلامي بالتطرف والظلامية، وهكذا كلما برزت قوى إصلاحية واجهتها قوى التحكم بلافتات إعلامية مبتكرة، وتبدو في الغالب مناسبة.
وأحياناً ترتكب قوى الإصلاح أخطاءً في مسيرتها فتستثمرها قوى التحكم وتضخمها لمزيد من الدعاية ضدها. وهذه السيرورة ليست خاصة بالمغرب، ففي كل المجتمعات حتى المتقدّمة منها توجد قوى التحكم، ويُعبّر عنها أحياناً بالدولة العميقة أو الدولة الموازية أو حتى جماعات الضغط بالنسبة للدول التي تنظمها قانونياً. ولكن في المقابل، هناك قوى إصلاحية في مجالات الإدارة والسياسة والاقتصاد والمالية والإعلام والمجتمع، خصوصاً الشباب، تناصر المد الإصلاحي، لكنها أقل فعالية ولا تبرز إلا في المحطات الانتخابية أو الانتفاضات الاجتماعية مثل الربيع العربي، وهي ما نسميه بقوى الإصلاح في مقابل قوى التحكم.

لكن هناك من يقول إن شكاوى "العدالة والتنمية" إنما هي من أجل صرف الأنظار عن محاسبة الحزب الذي يقود الحكومة بشأن ما يروجه البعض حول فشل مهمته في قيادة الحكومة؟

أولاً الحكومة لم تفشل وحزب "العدالة والتنمية" لم يفشل في قيادتها، ولو كانت قد فشلت لما كانت هذه الحرب القوية عليها، بل بالعكس فإن شراسة المواجهة ضد الحكومة عامة وضد "العدالة والتنمية" خصوصاً، دليل على عمق الإصلاحات والملفات التي باشرتها في مختلف المجالات السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، والتي تُعتبر في مجموعها حصيلة قياسية لم يسبقها مثيل في تاريخ الحكومات المغربية، وهذا بشهادة الرأي العام المغربي والمراقبين والمتابعين من داخل المغرب وخارجه.
أما المحاسبة، فالحكومة وحزب "العدالة والتنمية" لا يخشيان منها، ومناسبة المحاسبة هي الانتخابات، وقد برهنت الانتخابات أن الأحزاب الحكومية، وعلى رأسها "العدالة والتنمية" حققت نتائج هامة، وهي على رأس المسؤولية الحكومية ولم يعاقبها الشعب على عكس ما يحدث عادة بالنسبة للأحزاب التي تكون على رأس الحكومة والتي غالباً ما تتم معاقبتها في الاستحقاقات الانتخابية.

يفتخر حزبكم بأنه نظيف اليد، وبأنه لم يتورط في الفساد. لكن هل تكفي نظافة اليد لإقناع المغاربة بالتصويت مرة ثانية لحزبكم كي يتصدّر الانتخابات المقبلة؟
النزاهة ونظافة اليد ضرورية ومهمة بالنسبة للحزب والأحزاب التي تشارك بتسيير الشأن العام، ولكنها وحدها لا تكفي بل لا بد من الكفاءة والجدارة في مجال تسيير الشأن العام، وقد أثبتت الحكومة الحالية برئاسة "العدالة والتنمية" تمتعها بقدر لا يستهان به من الكفاءة والنزاهة المطلوبين لإنجاح العمل الحكومي. وهذا ما مكّن الحكومة من تحقيق عدد من الإنجازات الهامة والقياسية في مختلف المرافق والمجالات، ومعالجة ملفات شائكة تجنّبتها الحكومات السابقة وإصدار قوانين تنظيمية في زمن قياسي لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي. وبالنسبة لحزب "العدالة والتنمية"، فقد أثبت وزراؤه بصفة عامة أنهم يتمتعون بقدرٍ عالٍ من الكفاءة والنزاهة، وتدل حصيلة كل واحد منهم في القطاع الحكومي الذي يتحمّل فيه المسؤولية على عمق الإصلاحات والإنجازات التي حققوها، على الرغم من الصعوبات التي واجهوها من جهات وأطراف متعددة. وبالنسبة لتأثير ذلك على الانتخابات المقبلة، فنحن على يقين أن الناخبين سيبرهنون عن تقديرهم لهذه الجهود والإنجازات.

هل يمكن توقع تحالف انتخابي بعد الانتخابات بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" لتشكيل حكومة؟
علّمتنا الممارسة السياسية أن كل شيء ممكن، وفي عودة للتاريخ السياسي المغربي، فقد أنشئت جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية لإحداث التوازن مع الأحزاب الوطنية في الستينيات، ورفضت الأحزاب الوطنية التعامل معها فأجهضت التجربة الدستورية والبرلمانية الوليدة في مهدها، ثم رفضت هذه الأحزاب التعامل مع "التجمع الوطني للأحرار" في نهاية السبعينيات، بدعوى أنه حزب إداري، ليدخل معه حزب "الاستقلال" منفرداً في تحالف حكومي بعد ذلك.
ورفضت الأحزاب الوطنية التعامل مع حزب "الاتحاد الدستوري" والحزب "الوطني الديمقراطي"، بدعوى أنها أحزاب صنعتها الإدارة، لتدخل معها بعد ذلك في حكومات مختلفة، منها حكومة عبد الرحمن اليوسفي، ثم حكومة عباس الفاسي التي ضمت كل هذه الأحزاب. وقلتُ منذ التسعينيات قبل دخولنا إلى العمل الحزبي، إن الدولة ما تزال تخشى من تفرّد الأحزاب الوطنية بالساحة السياسية، ولذلك فهي تنشئ أحزاباً موالية لها لإقرار نوع من التوازن بحسب نظرتها للأمور، وعلى الفاعلين السياسيين مناقشة هذا الأمر في العمق وليس في الشكل واتخاذ القرارات العملية في حينه، بدل فرضها عليه بعد ذلك، كما طعّم حزب "العدالة والتنمية" النسخة الثانية من حكومته بحزب "الأحرار" رغم تحفظات سابقة.
وبالنسبة لحزب "الأصالة والمعاصرة"، فهو يدخل في هذا السياق، وقد كان على رأسه أمينان عامان مقبولان سياسياً، هما محمد الشيخ بيد الله ومصطفى الباكوري، وكان وجود هذا الأخير، وهو قيادي من قيادات الدولة العليا، مناسبة لمد الجسور معه وتقوية وجوده على رأس هذا الحزب، لكن العكس هو الذي حدث وتمت مواجهته على أنه أمين عام صوري، ما ساعد على التعجيل بإسقاطه.
ومن مجموع التجارب السابقة، أتوقع أن يحدث مع حزب "الأصالة والمعاصرة" ما حدث مع "الأحرار" و"الاتحاد الدستوري" والحزب "الوطني الديمقراطي"، سواء تعلّق الأمر بحزب "العدالة والتنمية" أو بغيره، ولذا فمن باب الواقعية السياسية يجب وضع الأمر على طاولة النقاش الحقيقي واتخاذ القرار في المؤسسات الحزبية المعنية في الوقت المناسب.


هل أفهم من جوابكم إمكانية استنساخ "السيناريو التونسي" في المغرب مثلاً؟

يصعب استنساخ تجارب بلدان أخرى لاختلاف الظروف، فالتجربة التونسية جاءت بعد عقود من الحكم الأمني المتفرّد المطعّم بنكهة يسارية استئصالية، أما المغرب فإن وجود الملكية كان له دور إيجابي في بقاء التعددية الحزبية والسياسية ولو في حد أدنى. وفي هذا السياق المغربي ولدت تجربة متميزة عن التجربة التونسية بإيجابياتها وسلبياتها، ففي تونس تتصارع القوى السياسية على قدم المساواة من دون جهة تحكيمية بينها، بينما في المغرب تؤدي الملكية دور التحكيم والتوازن، الشيء الذي أفرز تجربة مهمة ومتميزة على الرغم من محدوديتها قياساً إلى التجربة التونسية. فهذه الأخيرة أكثر جرأة وأقل توازناً، بينما التجربة المغربية أكثر توازناً وأقل جرأة، فحينما تتحالف "النهضة" و"نداء تونس" فهو تحالف قريب من تحالف نظراء، أما التحالفات في المغرب فهي تحالفات للتوازن في ظل ملكية يعطيها الدستور صلاحيات كبيرة ومتنوعة.

هناك دعوات لمقاطعة الانتخابات بالمغرب من قِبل يساريين، وأيضاً من جماعة "العدل والإحسان". كيف تقرأ مثل هذه الدعوات؟
مع احترامي وتقديري لكل وجهات النظر، فإني أعتبر دعوات مقاطعة الاستحقاقات الانتخابية غير واقعية وتضيّع على المغرب فرصاً حقيقية لتطوير مساره الديمقراطي، فلو انخرطت القوى الإسلامية واليسارية في هذا المسار، سواء بالدعوة إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية والمشاركة في مختلف الاستحقاقات، لكان ذلك رافداً مهمّاً لتعزيز القوى الإصلاحية والمجتمع العميق في مواجهة القوى التحكمية أو ما يسميه البعض بالدولة العميقة. وقد أدركت بعض قوى اليسار أخيراً فداحة قرار مقاطعتها للاستحقاقات الانتخابية، وهي تحاول تدارك ما فات، وأخشى أن يضيع المجتمع في زخم هذه الأطراف المقاطعة وهي في أوجها كما حصل مع بعض قوى اليسار التي أدركت فداحة قرارها بالمقاطعة فعادت للمشاركة، ولكن بعد أن أصبح وجودها في الساحة السياسية وتأثيرها فيه يعادل الصفر، لا تسمن ولا تغني من جوع.

راج الحديث عن "غضبة" ملكية على رئيس الحكومة والأمين العام لحزبكم عبد الإله بنكيران، وهناك من اعتبرها ضربة قاصمة للحزب قبل الانتخابات المقبلة؟
عادة تتفنن القوى المضادة للإصلاح في اختراع أدوات للدعاية والحرب الإعلامية والسياسية لإرباك خصومها، واليوم تُشهر في وجه حزب "العدالة والتنمية" عدداً من هذه الأدوات والأسلحة، بدءاً بمحاولة إطاحة محمد الصديقي من عمادة الرباط، والحبيب الشوباني من منطقة الراشيدية، وادعاء استقطاب أعضاء من الحزب هنا أو هناك، ومطالبة رئيس الحكومة بمعالجة مخلّفات ملف ليس مسؤولاً عنه، والذي اصطُلح عليه ملف "خدام الدولة"، ثم مطالبة البعض بعدم ترشح رئيس الحكومة للاستحقاقات الانتخابية التشريعية المقبلة، وأخيراً وليس آخراً إثارة مسألة "الغضبات" الملكية التي يتابعها الرأي العام مرة بعد مرة.
وإن كان هذا الأمر يدخل في سياق الصراع السياسي بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فإنه لا دخان بدون نار، وهذا ما لا يعفي الحزب ومسؤوليه من تقدير خطواتهم السياسية وسلوكهم وتصريحاتهم الإعلامية، وخصوصاً تلك التي تتعلق بالعلاقات الخاصة والتي لا داعي للتصريح بها من باب التحفظ الواجب، دون الركون إلى اللغة الخشبية بطبيعة الحال والتي يعود الفضل لحزب "العدالة والتنمية" وأمينه العام رئيس الحكومة في التخلي عنها واستبدالها بلغة بديلة هي لغة الشفافية والمصارحة التامة للشعب، والتي شكلت منعطفاً هاماً في الممارسة السياسية بالمغرب. ولكن مع ذلك فواجب التحفظ ما يزال مطلوباً في مجالات معينة وقد قيل في المثل السائر: ما كل حق يقال. أما الضربة القاضية فلا أعلم حقيقة من تحدث عنها، ولذلك فلا أعتقد بوجودها، ومع ذلك لا أقلل من أهميتها، نظرا لأن هناك من يتربص وينتظر من ينوب عنه في معاركه السياسية.

هل يمكن لـ"العدالة والتنمية" القبول بالرجوع إلى صفوف المعارضة بسهولة؟

الحزب السياسي الذي لا يهيئ نفسه لتحمّل مسؤولية تدبير الشأن العام إذا اختاره الشعب لذلك، ولا يستطيع العودة إلى صفوف المعارضة إذا اقتضت نتائجه الانتخابية ذلك، هو حزب غير جدير بالبقاء والعمل السياسي. وحزب "العدالة والتنمية" مارس المساندة النقدية والمعارضة الناصحة وأخيراً تحمّل المسؤولية الحكومية، وهو بذلك مؤهل لتحمّلها من جديد إذا اختاره الشعب عن طريق صناديق الاقتراع مسلحاً بتجربة هامة وناجحة إلى أبعد الحدود. كما أنه مستعد لممارسة دوره في موقع المعارضة، على الرغم من أن كل المؤشرات الموضوعية تؤهله حالياً للاستمرار في تحمّل المسؤولية الحكومية، وجني ثمار هذه المرحلة التي قادها مع شركائه السياسيين بكل ما تتطلبه المرحلة من تضحية وعطاء.

المساهمون