بسريّة تامة، يعمل رئيس الحكومة اللبنانية المكلف مصطفى أديب، المُقلّ بالتصريحات الصحافية. ويقول مصدرٌ مقرّبٌ منه لـ"العربي الجديد"، إنّه يحاول عدم الوقوع في فخّ "الاستجواب الإعلامي"، نظراً لدقّة الوضع والضغوطات التي يتعرّض لها، سواء على المستوى السياسي المحلّي من أحزاب تسعى إلى فرض رأيها عليه وأسماء مرشّحيها، أو على المستوى الشعبي، باعتبار أنّ أكثرية اللبنانيين تعتبره وليد تسمية منظومة سياسية تتحكّم بالقرار، وتفرض نفسها بقوّة على شعبٍ نادى بتغييرها ومحاسبتها في "انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول"، وكرّر مطالبه بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب الماضي. ويتمّ كلّ ذلك بمراقبة فرنسية مشدّدة، مع قرب انتهاء مهلة الخمسة عشرة يوماً لتأليف حكومة تضع برنامجاً إصلاحياً وخريطة إعادة اعمار العاصمة اللبنانية.
وعلى خطّ الرئاسة اللبنانية ونظيرتها الفرنسية، عمل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، خلال زيارته إلى باريس، على نقل رسائل الطرفين والملاحظات الموضوعة من قبلهما، والمطالب التي تختصّ بالتشكيلة الحكومية، وفق ما يؤكد مصدر في قصر بعبدا لـ"العربي الجديد"، علماً أنّ جولة اللواء إبراهيم غطّى عليها حريق مرفأ بيروت أمس، الخميس، فمرّت مرور الكرام في ظلّ نقل وسائل الإعلام المحلية والعالمية مشهد إهمال جديد وتقصير فادح في حادث هو الثاني من نوعه في أقل من 48 ساعة لم تستبعد فرضية أن يكون مفتعلاً من دائرة الاحتمالات، قبل أن يثار الملف الحكومي، اليوم الجمعة، من جديد بوتيرة أعلى.
يصرّ الرئيس الفرنسي على أن تكون وزارة الطاقة في الحكومة الجديدة لشخصية مستقلة، وهو ما لم يرضَ عنه بعد فريق رئيس الجمهورية اللبنانية
ويؤكد المصدر أنّ ملف العقوبات الأميركية على الوزيرين السابقين يوسف فنيانوس (ينتمي إلى تيار المردة الذي يرأسه سليمان فرنجية)، وعلي حسن خليل (ينتمي إلى حركة أمل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري)، حطّ على طاولة مباحثات إبراهيم مع الفرنسيين، والرئيس عون مصمّمٌ على متابعة الموضوع، ولذلك تواصل أيضاً مع الأميركيين بهذا الشأن.
ويصرّ الرئيس الفرنسي على إجراء إصلاحات في قطاعات أساسية يشوبها الهدر والفساد والعجز، ولا سيما قطاع الكهرباء، الذي تولاه وزراء طاقة من "التيار الوطني الحر"، من ضمنهم النائب جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، وأن تكون هذه الوزارة في الحكومة الجديدة لشخصية مستقلة وكفوءة، وهو ما لم يرضَ عنه بعد فريق رئيس الجمهورية اللبنانية.
ويقول عضو "كتلة التنمية والتحرير" (يرأسها بري)، النائب محمد نصر الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ اللواء عباس إبراهيم معروفٌ بأنه "رجل إطفائي" ومساعد إيجابي بمعالجة الأزمات في لبنان، ونأمل أن تحمل زيارته انعكاسات إيجابية على الصعيد الحكومي.
وفي وقتٍ تتمسّك فيه "حركة أمل" بوزارة المالية، رغم أنّ العقوبات الأميركية طاولت وزير مالية سابق محسوب عليها وهو مستشار رئيس البرلمان اللبناني، واتهامها بعرقلة عمل رئيس الحكومة المكلف إلى جانب "التيار الوطني الحر"، الذي يتمسّك بوزارتي الطاقة والخارجية وإلا المالية عملاً بمبدأ المداورة، يشدد نائب "حركة أمل" بدايةً على أنّ العقوبات الأميركية "لن تؤثر على موقعنا أو موقفنا في المشاورات، فهي تستهدف الموقف الصلب للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية التي توصلنا إلى اتفاق بشأنها قبل شهرَيْن، وكان من المفترض توقيع الاتفاق، بيد أنّ الطرف الأميركي لم يتجاوب، ويبدو أن هناك مشروع تراجعٍ من جانبه، وكلّ ما جرى لن يغيّر موقفنا".
ثانياً، يعتبر نصر الله أنّ المداورة لا يمكن أن تحصل في وزارة المال لأنها، ميثاقياً وبحسب التركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية والمناطقية، تذهب للطائفة الشيعية وليس بالضرورة لـ"حركة أمل"، ولا يمكن مقارنتها مع سواها من الوزارات، ولا مانع من المداورة في الوزارات الأخرى.
ويؤكد نائب "حركة أمل" أنّ الاتصالات إيجابية والمشاورات حامية وتسير بوتيرة سريعة على مختلف الصعد من أجل تأليف حكومة يأمل أن تكون جاهزة يوم الاثنين المقبل. ويقول: "نحن نسعى ونضغط بهذا الاتجاه بهدف ولادتها خلال المهلة التي وضعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من باب التجاوب مع المبادرة الفرنسية والاستفادة من إيجابياتها على الساحة اللبنانية، وفي حال تأخرت لأيام قليلة فليست بكارثة نظراً للتوازنات القائمة في البلد".
ويشير إلى أنه بغض النظر عن الأحجام، "فنحن مع حكومة جامعة لكل مكونات البلد، فاعلة وقادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة، وإنقاذ لبنان من الأزمة المالية الخانقة التي تهددنا خلال شهرين أو ثلاثة على الأكثر، مع اقتراب نفاد احتياط مصرف لبنان المركزي لدعم السلع الأساسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي لا يمكن للبنان أن يتحمّله".
المهمة الأصعب أمام أديب هي إرضاء "حزب الله" الذي سمّاه في الاستشارات النيابية الملزمة، في ظلّ الشروط الدولية
من جهته، يقول ماريو عون، النائب في "تكتل لبنان القوي" (يرأسه باسيل، والذي من المتوقع أن يكون على لائحة العقوبات الأميركية المقبلة ولو بطريقة غير مباشرة من خلال نوابه أو مقرّبين منه)، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التيار الوطني الحر" لا يعرقل تشكيل الحكومة، والكلام الصادر بهذا الاتجاه لا أساس له من الصحة، فهو أبلغ عبر رئيسه باسيل، "أن لا مطالب بالنسبة إلينا، ونحن مسهلون لعملية التأليف إلى أقصى حدود، وما نتحدث عنه سواء في ما خصّ المداورة التي هي مستحسنة ومفيدة أو غيرها، هو من باب النصائح، من دون أن ننسى أن باسيل هو مسؤول سياسي له أن يعطي رأياً شاملاً وعاماً بالملف، إذ يريد حكومة فاعلة ونظيفة وقوية".
ورداً على أنّ المداورة لا تنطبق مع مبدأ حكومة المستقلّين، يشير عون إلى أنّه ليس بالضرورة ذلك، "ونحن ننتظر ما سيعرضه الرئيس المكلف في مسودته الحكومية، ونأمل أن تحمل الإرادة للبدء بتنفيذ الإصلاحات، وهذا ما هو الأهم بنظرنا، والأجواء مشجعة وتحمل على التفاؤل بولادة الحكومة مطلع الأسبوع المقبل، إلّا إذا حصل ما ليس في الحسبان"، مشيراً إلى أن تياره مع حكومة موسّعة، أي تضمّ ما بين 20 إلى 24 وزيراً.
وفي الإطار نفسه، يقول مصدرٌ مطلعٌ على المفاوضات، لـ"العربي الجديد"، إنّ المهمة الأصعب أمام أديب هي إرضاء "حزب الله" الذي سمّاه في الاستشارات النيابية الملزمة، في ظلّ الشروط الدولية لناحية نأي لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية، ومطلب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي يحمل مبادرة الحياد معه ويتمسّك بها أكثر من أي وقتٍ مضى، علماً أن الحزب يتمسّك بدوره بوزارة الصحة.
وفي هذا السياق، يشير المصدر إلى أنّ أديب، الذي حاز على 90 صوتاً نيابياً، يحاول أن يكون على وفاقٍ مع "تيار المستقبل"، وبالذات مع رئيسه سعد الحريري، الذي دعمه، وهو الذي لم يسمِّ حسان دياب أو يقف إلى جانبه، وقد تكون شروط "المستقبل" أقل صعوبة من غيره، فهو لا يريد شيئاً، لكنه في المقابل قد يطالب بوزارات في حال شمّ رائحة محسوبيات لأحزاب أخرى، وسيقدّم نصائح في ما يختصّ بوزراء الطائفة السنية والشخصيات الأنسب من حيث الكفاءة والشفافية.
ويؤكد المصدر أن الأمر نفسه يرتبط بـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" برئاسة وليد جنبلاط لناحية الحصة الدرزية، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الذي، على حدّ تعبير أوساطه، لم تهزّه العقوبات الأميركية ويتفاخر بعلاقاته مع الحزب والنظام السوري.