عباءات فلسطين

عباءات فلسطين

23 اغسطس 2017
ترتديان الثوب التقليدي المطرز (عباس موماني/ فرانس برس)
+ الخط -
عودة إلى فلسطين، القضيّة التي كبرت معنا. في كل عام، الكثير من التقارير عن حق العودة، وما بقي من مفاتيح، وأغنيات ثورية، وقصص لجوء تشكّل في وعينا صوراً معيّنة: "نساء يرتدين عباءات ويجلسن على كنبات في بيوت متواضعة أو مخيمات، ورجال يشكون قلّة الحيلة، وأطفال يركضون في الأزقة الضيقة، يرتدون ثياباً غير متناسقة، وقد اسودّت وجوههم من الشمس..".

القضيّة نفسها باتت أشبه بمخيّم عتيق في إحدى زوايا بلدٍ ما. وإذا ما صودف أن سمعنا كلمات محمود درويش: "حاصر حصارك لا مفرّ، اضرب عدوك لا مفرّ، سقطت ذراعك فالتقطها، وسقطت قربك فالتقطني، واضرب عدوك بي، فأنت الآن حرٌّ وحرٌّ وحرُّ"، نخجل من أن نتفاعل معها، وكأنّ مفعول القضيّة، أو حقّ الفلسطينيين في أرضهم، تحوّل إلى موضة قديمة، إلّا في أحداث معيّنة، كإضراب الأسرى عن الطعام، أو أحداث المسجد الأقصى أخيراً. وهنا، يتحوّل الحديث إلى قصّة متفرّعة من القضيّة، فتُذكر القصة وليس القضيّة.

لم يتغيّر شيء. القضيّة تبقى قضيّة. والعودة تبقى حقاً مهملاً لأسباب كثيرة. والمفاتيح، التي يتكرّر ذكرها أو تصويرها في تقاريرنا، تبقى حقيقة. كانت لأشخاص كثيرين بيوت وأرض سرقت منهم بالقوة. والمفاتيح "الكليشيه" إعلامياً، تختصر حياةً اقتطعت. والحقيقة مُخالفة لأفلام الكرتون أحياناً حيث ينتصر الخير على الشر، أو الحق على الباطل.

والعودةُ إلى فلسطين كانت من خلال فتيات قدِمن إلى لبنان بعباءاتهن المطرّزة خلال مناسبة مهنية أخيراً. عباءات سوداء مطرّزة بالأحمر، تحكي قصصاً جميلة عن فتيات جميلات. لم يسألهن أحد عن فلسطين، فالقضيّة كانت حاضرة من خلالهن. هناك شعب يعيش في ظلّ الاحتلال. وفي حال سافر فلسطيني إلى الخارج، لا يستطيع العودة إلى وطنه وفي جعبته مبلغ من المال، أو يتّهم باستخدام هذا المال لأهداف إرهابية. نحكي عن مضايقات الاحتلال كـ "واجب" أو تتمّة لا نشعر أو نتفاعل مع وطأتها. ونبرّر لأنفسنا. نعم تعبنا، وكلّ ما يحدث أكبر منّا، وهذه حقيقة. تعبنا حتّى من الشعور بالحزن، وتحلّ علينا نكبات جديدة محلّ أخرى قديمة، كل يوم.

هؤلاء الفتيات حفظن عدداً من أغنيات فيروز وغيرها من الأغنيات اللبنانية. كن قريبات منّا إلى حد كبير. لم يطالبن أحداً بالحديث عن قضيّتهن وأرضهن وعيشهن في ظلّ الاحتلال. وربّما لم يزرن المخيّمات الفلسطينية ويلتقطن صوراً لما بقي من أحياء يحتفظون بالمفاتيح. من دون أي جهد، ذكّرتنا وجوههن بالقضيّة الفلسطينية كحقّ. عباءاتهن حكت تاريخاً وحضارة. ربما تبدو العبارة "كليشيه". لكن لا مانع من أن تكون الحقيقة كذلك، مثل المفاتيح.

المساهمون