عبء الديون وسياسة "تلبيس الطواقي"

عبء الديون وسياسة "تلبيس الطواقي"

17 يناير 2020
سياسات مصرف لبنان أفقرت المواطنين (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

خلال السنوات الأخيرة، دأبت حكومات عربية على تطبيق سياسة "تلبيس الطواقي" في التعامل مع قضية الديون الخارجية وتفاقمها، وهي واحدة من أخطر القضايا التي تواجه الاقتصاديات العربية وتعرقل التنمية في دول المنطقة.

هذه السياسة تعني "تلبيس" قرض مستحق على الدولة بقرض آخر جديد، فعندما يحل موعد سداد قرض خارجي تقوم الحكومة باستدانة قرض جديد لسداد أصل الدين مضافاً إليه الأعباء المستحقة عليه من سعر فائدة وعمولات وربما غرامات تأخير.

وعندما يحل موعد سداد قيمة سندات أو أذون خزانة دولارية مستحقة على الدولة يتم طرح سندات دولية جديدة بنفس القيمة أو بأعلى من قيمتها، على أن توجه حصيلة السندات الجديدة لسداد قيمة الدين القائم.

وعندما يحل أجل سداد قرض مستحق على الدولة تمد الحكومة أجل سداد الدين لفترة أطول، أو تجديد فترة استحقاق القرض لفترة أخرى وبأسعار فائدة أعلى، كما فعلت الحكومة المصرية مع ودائع دول الخليج، والتي حل أجل سدادها في النصف الثاني من عام 2019 وتزيد قيمتها عن 10 مليارات دولار.

بل إن بعض الحكومات لا تكتفي باقتراض ما يعادل قيمة القرض الخارجي المستحق على الدولة، حيث تقترض قرضا أكبر لسداد القائم وتوجيه الباقي لتغطية عجز الموازنة العامة وتمويل مشروعات "قومية" حكومية.

لم تكتف هذه الحكومات بذلك، بل راحت تحصل على قروض خارجية لإعادة بناء احتياطياتها من النقد الأجنبي، وهو ما يخالف الأعراف الدولية التي تنص على أن بناء الاحتياطيات لدى البنوك المركزية يتم من موارد الدولة الذاتية وفوائضها الأجنبية، خاصة المتدفقة من قطاعات حيوية مثل الصادرات وتحويلات المغتربين والاستثمارات المباشرة والسياحة، وليس عبر الاقتراض أو الأموال الساخنة المستثمرة في أدوات الدين المحلية كالسندات وأذون الخزانة.

أبرز مثال على النماذج السابقة ما تقوم به حكومات مصر ولبنان والأردن والبحرين، إذ أنها لا تعالج قضية الديون الخارجية عبر السداد من موارد ذاتية، أو تقليص الاعتماد عليها من الأصل، أو تقنينها وتحديد الغرض منها، بحيث لا يتم الحصول على قرض دولاري إلا لتمويل مشروعات تدرّ عائدات دولارية يتم من خلالها سداد الدين وأعبائه، لكن ما يحدث هو استسهال الحكومات الاقتراض الخارجي الذي يتم الحصول عليه بتكلفة عالية وأسعار فائدة مرتفعة، وهو ما يحمّل الأجيال القادمة ما لا تطيق.

وترجمة نتائج الإفراط في الاقتراض وعدم الفرملة او وضع سقف له، هو ما يحدث حالياً في لبنان، والذي يخشى كثيرون أن يشهد سيناريو مشابهاً لسيناريو قبرص في شهر مارس 2013، حيث فرضت حكومتها ضريبة على الودائع المصرفية لتجنب خطر الإفلاس.

أو أن يكرر لبنان سيناريو اليونان في العام 2016، التي لولا تدخّل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، وبدعم قوي من ألمانيا، لأعلنت أثينا إفلاسها وخرجت من منظومة اليورو، علما بأن الدائنين الدوليين فرضوا على اليونان تطبيق واحد من أقسى البرامج التقشفية في العالم .

لبنان يواجه حاليا أزمة في التعامل مع ديونه الخارجية بسبب الإفراط في الاقتراض وفساد النخب السياسية الحاكمة وتهريب الأموال إلى الخارج، فهناك دين مستحق على الدولة هذا العام قيمته 2.5 مليار دولار، منها سندات بقيمة 1.2 مليار دولار مستحقة السداد في شهر مارس المقبل.

وهناك صعوبة أمام لبنان في سداد هذا الدين في ظل عدم توافر سيولة دولارية كافية وصعوبة السحب من احتياطي الأجنبي لدى مصرف لبنان، وهو ما يشكل خطورة على الاقتصاد اللبناني وماليته، ويدفع مؤسسات إلى خفض تصنيف البلاد مجدداً، تزداد الخطورة إذا ما أقدمت الحكومة على تطبيق خيارات صعبة منها تكرار تجربة قبرص وفرض ضرائب على الودائع المصرفية.

المساهمون