عام على اختطاف "داعش" لـ"بلبل حلب"

عام على اختطاف "داعش" لـ"بلبل حلب"

09 نوفمبر 2014
رسم "أبو صطيف" الضحكة على وجوه السوريين (العربي الجديد)
+ الخط -
أكمل الصحافي الساخر عبد الوهاب الملا الذي يحب أصدقاؤه مناداته بأبو صطيف عامه الأوّل غائباً في سجون تنظيم الدولة الإسلامية، بعدما قام مسلحو "داعش" بخطفه من البيت الذي كان يقيم فيه في حي مساكن هنانو شمال حلب في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر/ من العام الماضي.

عبد الوهاب الملا هو شاب ينحدر من مدينة الباب بريف حلب لم يكمل السابعة والعشرين من عمره، اختار المشاركة في الاحتجاجات السلمية المناهضة للنظام السوري والتي انطلقت في مدينة حلب في صيف عام 2011، قبل أن يقوم والده بإجباره على السفر إلى المملكة العربية السعودية خوفاً عليه، ولإبعاده عن أجواء الاحتجاجات التي أطلق النظام السوري يد أجهزته الأمنية لقمعها من خلال اعتقال المشاركين بها وإطلاق النار على تظاهراتهم واعتصاماتهم.

لم يمنعه تواجده في مدينة الرياض من المشاركة في دعم اصدقائه الذين واصلوا احتجاجاتهم ضد سياسات النظام السوري، حيث شارك مع مجموعة من اصدقائه المقيمين في المملكة وعموم دول الخليج العربي في العمل ضمن مجموعة المغتربين الحلبية التي قامت لأشهر بإرسال المساعدات العينية والنقدية للمتضررين نتيجة تدهور الأوضاع في مدينة حلب وريفها.

بشكل متزامن قام عبد الوهاب بتصوير مجموعة سكتشات كوميدية على شكل حلقات قام ببثها على موقع "يوتيوب" بعنوان "هاد كل شي صار"، تضمنت وصفاً للأحداث والتطورات التي يشهدها الشارع السوري بأسلوب ساخر. حصدت هذه الفيديوهات التي أنتجها عبد الوهاب متابعة عالية على وسائل التواصل الاجتماعي بالرغم من بساطتها وضعف إمكانيات إنتاجها وإخراجها.

قرر عبد الوهاب في صيف العام التالي  وبعد مرور أقل من سنة على إقامته  في المملكة العربية السعودية مغافلة صديق والده الذي أقام في بيته في الرياض والعودة إلى حلب للمشاركة بشكل مباشر مجدداً في النشاطات التي يقوم بها الناشطون المعارضون للنظام السوري في مدينة حلب وريفها.

عمل "أبو صطيف" في بداية فترة وجوده في حلب كناشط إعلامي يتنقل مع كتائب الجيش الحر التي أخذت على عاتقها حماية التظاهرات المناهضة للنظام السوري من القمع التي تعرضت له من قبل أجهزة الأمن السورية.

ثمّ قرر إصدار مجموعة مقاطع مصورة ساخرة جديدة تحدث فيها عن أوضاع المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري في مدينة حلب وريفها، وحاول فيها مراراً حث الشباب من أبناء هذه المناطق على إكمال مسيرة الثورة بالرغم من المخاطرة العالية التي ترافق هذه المسيرة.

اشتهر عبد الوهاب في الفترة اللاحقة بمجموعة أغاني مصورة قام بغنائها وبثها على شبكة الانترنت لتحظى بانتشار واسع بين الشباب المتعاطفين مع الثورة السورية، بسبب الإحساس العالي الذي ميز أداء عبد الوهاب أثناء غنائه، الأمر الذي جعل لقب "بلبل حلب" لقباً ملاصقاً لاسم عبد الوهاب.

كان ذلك قبل أن يقرر عبد الوهاب إنتاج برنامجه التلفزيوني الساخر الذي أطلق عليه اسم "ثورة 3 نجوم" والذي تم بثه في شهر رمضان في العام الماضي على ست فضائيات سورية متعاطفة مع الثورة. تحدث عبد الوهاب في برنامجه الذي حظي بمتابعة غير مسبوقة عن أوضاع السكان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، فناقش تطلعاتهم وآرائهم بأسلوب ساخر استطاع من خلاله أن يكون أقرب ما يكون إلى الجمهور السوري.

كان عبد الوهاب يبدأ برنامجه بمقطع غنائي قصير قبل أن يتوجه إلى الشارع في حلب ليقوم باستطلاع آراء الناس حول موضوع الحلقة ليقوم بعد ذلك بمناقشة القضايا الأكثر قرباً من الشارع الحلبي بأسلوبه الساخر الناقد.

ناقش عبد الوهاب في برنامجه الموضوعات التي شغلت السكان في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية في مدينة حلب، حيث ناقش مواضيع كتردي الواقع الخدماتي، وانتشار عمليات الخطف واعداً الجمهور في نهاية حلقات برنامجه باللقاء في الحلقة المقبلة في حال لم يتم خطفه وفي حال توفرت الكهرباء!

في الحلقة الأخيرة التي تم بثها من برنامجه والتي عنونها باسم "الخلافة الاسلامية والدولة المدنية" ناقش عبد الوهاب أكثر القضايا حساسية في الشارع السوري والتي تتعلق بشكل الدولة التي ينشدها السوريون. وتمكن من مناقشة هذه الإشكالية بلغته الساخرة القريبة من الشارع السوري، والتي مكنته من أن يكون الأكثر التصاقاً وقرباً من ثقافة السوريين وطريقة مناقشتهم لمشكلاتهم وأزماتهم.

قبل يوم واحد من اختطافه من قبل مسلحي تنظيم "داعش" حضر عبد الوهاب اجتماعاً دعا له ممثلين عن جميع المؤسسات الاعلامية التي تعمل في مناطق سيطرة قوات المعارضة في حلب وريفها بهدف تشكيل "اتحاد للإعلاميين في حلب".

سعى عبد الوهاب لتأسيس هذا الاتحاد ليكون كنقابة تجمع الاعلاميين العاملين في حلب واللذين باتوا يتعرضون حينها لمضايقات واعتداءات كثيرة لم تتوقف عند التهديد والخطف، بل وصلت في كثير من الأحيان إلى الاغتيال والتصفية الميدانية والتعذيب حتى الموت.

غاب عبد الوهاب منذ سنة، تدهورت خلالها الأوضاع في مدينة حلب بشكل غير مسبوق، وتحققت خلالها الكثير من نبوءاته التي كان يمررها في برامجه الساخرة، لم يستطع أحد من عائلته أو أصدقائه التأكد إلى الآن من مصيره لكنهم جميعاً مازالوا بانتظاره.

المساهمون