30 أكتوبر 2023
عالم هاني حوراني
عالم هاني حوراني
من مجموعة هاني حوراني "صدأ"
تتفرّج في مركز رؤى 32، في عمّان، على ما فاتك أن تراه من جديد هاني حوراني في معرضه "صدأ" (25 لوحة)، وكان قد انتظم في مايو/ أيار الماضي، وتظفر أيضاً بمشاهدة قديمٍ وجديدٍ كثيريْن من لوحاتٍ تشكيليةٍ ومشهديات فوتوغرافيا وأعمالٍ من جنسٍ ثالث يؤاخي الرسم والتصوير، كان قد أنجزها هاني الذي تعرفه ناشطاً سياسياً في الحالة الأردنية، وباحثاً وحقوقياً وداعيةً إلى الديمقراطية، وكذلك مناضلاً في الحالة الفلسطينية البيروتية. ونتاجه مشهودٌ ومعلومٌ في مركز الأردن الجديد للدراسات الذي أسّسه، وفي مجلةٍ كنا نحترس من أن يُصادفها المخبرون بين أيدينا، فنتورّط في استنطاقٍ أمنيٍّ قد يقود إلى الحبس، قبل أن تنعطف البلاد إلى شيء من الانفراج، ثم يُغلق هاني، أخيراً، المركز، وتتوقف المجلة عن الصدور. تعرف ذلك كله عن صديقك باتّساعٍ ودرايةٍ بتفاصيل كثيرة، غير أن معرفتك به تشكيلياً ورسّاماً ومصوّراً طفيفةٌ إلى حدّ محرج، وأنت الذي تحبّ هذا الصديق، وهو الذي أقام أول معرض (مشترك) لأعماله الزيتية والمائية، في 1964 في عمّان، أي قبل أن تولد بعام.
يفاجئنا هاني حوراني، ونحن، إلياس فركوح ونبيل عبد الكريم وأنا، نحدّق ونتأمل في تصاويره ورسومه. بألوانٍ زيتيةٍ وإكليريك على القماش والخشب، وبمقاييس متنوعة، تلتقط كاميراه صور علب وتَنَكاتِ (مستوعبات كما صرتُ أعرف اسمها) زيوتٍ وسمنةٍ وطحينية، فارغة مهملة، متروكة وصدئة، وسيارات أجرة مستهلكة مجمّعة في "السكراب"، وسطوح قطار عتيق، وأجساماً معدنية مرمية، وأقفاص طيور في أسواق القاهرة القديمة، وخشبياتٍ في موانئ خليجية. يصنع هاني من هذه الصور، ومثيلاتٍ لها، لوحاتٍ تشكيليةً، تفصح عن جمالٍ في هذه الأشياء، عندما يبعث فيها حيويةً ظاهرة، باللون وإعمال الريشة، وتداخل الظل والظل والشمس والشمس. لا تعود هذه الأشياءُ المتروكةُ مجرّد أشياءٍ متروكة، وإنما موجوداتٌ تدلّ على حياةٍ وزمنٍ متجدّدين. والظاهر أن صديقنا، في صنيعه هذا، يمضي في مسار "الفوتوغرافيا الفنية" التي ما انفكّ يحترفها، غير أن ضربات ريشته صارت أكثر تدخّلاً في الصورة مما كانت في أعمالٍ سابقة، وخصوصاً منها في "وجوه مدينتي" في معرضيْن سابقيْن.
تُرى، هل يُبارز هاني حوراني الزمن في الذي فعله ضد الصدأ، وضد تآكل الأشياء وتشقّق الجدران والاهتراء في موجوداتٍ قديمة؟ أظنه أفلح في معركته الجمالية هذه، فقد أظهر أن في وسع العين والخيال إذا ما تحالفا أن يزيحا الإيحاء بوطأة الزمن إلى شعورٍ بإيحاءٍ آخر، عنوانه إمتاع الروح بحياةٍ باقيةٍ، مهما جرى الزمن وتقادمت الأشياء. إنْ كانت وظيفة الكاميرا أن تُنجز صورةً، فإن الإحساس بهذه الصورة هو ما يُشغل هاني، أو ربما هو ما يهجس به عالمه الفني وفضاؤه الإبداعي، ولا سيما في العقدين الماضيين. وإذا كان قد بثّ في لقطاته، في دمشق والقاهرة ودبي وعمّان والقدس والرباط وصنعاء وغيرها، كما شاهدنا من المخبّأ لديه منها، رؤاه التي تتجاوز حيادية المشهد، فإنه في "صدأ" مضى بعيداً في اشتباك التصوير الفوتوغرافي والرسم، في إنجاز علاقةٍ بينهما تجعل الريشة هي العدسة، كما قال هو نفسه، محقاً.
لم يكن صديقُنا يحتاج أن يشرح لنا، إلياس ونبيل وأنا، عن عشقه الصورة، وشغفه بالحالة التي يكون فيها، وهو يهيئ الصورة، معالجةً وطباعةً، فقد أشاع فينا ما شاهدناه من قديم لقطات عدساته وجديدها، الملوّن وبالأبيض والأسود، زوبعةً من أسئلةٍ عن الظاهر والخافي، عن الزائف والحقيقي، في ما يتعلق بكل ما نرى قدّامنا، ناساً وأشياءَ وموجوداتٍ وطبيعةً. رأينا في وديانٍ وحواري وأزقةٍ وأريافٍ وبوادٍ وأسواقٍ، في اليمن والأردن والمغرب وسورية والعراق وفلسطين وغيرها، أشواقاً في عيونٍ تائهة، وتضاريس أزمنةٍ على وجوهٍ متعبة، وطفولةً جريحةً، ورجولةً مطفأة.. رأينا الكثير الكثير مما فاجأتنا به حذاقة هاني حوراني، وهو يصنع صوراً ورسوماً، وهو يبني من فضاءاته، وانتباهاته، عالماً من البهجة باللون والظل. أفرحنا كثيراً، متّعه الله بهناءة البال ومزاجٍ طيب.
يفاجئنا هاني حوراني، ونحن، إلياس فركوح ونبيل عبد الكريم وأنا، نحدّق ونتأمل في تصاويره ورسومه. بألوانٍ زيتيةٍ وإكليريك على القماش والخشب، وبمقاييس متنوعة، تلتقط كاميراه صور علب وتَنَكاتِ (مستوعبات كما صرتُ أعرف اسمها) زيوتٍ وسمنةٍ وطحينية، فارغة مهملة، متروكة وصدئة، وسيارات أجرة مستهلكة مجمّعة في "السكراب"، وسطوح قطار عتيق، وأجساماً معدنية مرمية، وأقفاص طيور في أسواق القاهرة القديمة، وخشبياتٍ في موانئ خليجية. يصنع هاني من هذه الصور، ومثيلاتٍ لها، لوحاتٍ تشكيليةً، تفصح عن جمالٍ في هذه الأشياء، عندما يبعث فيها حيويةً ظاهرة، باللون وإعمال الريشة، وتداخل الظل والظل والشمس والشمس. لا تعود هذه الأشياءُ المتروكةُ مجرّد أشياءٍ متروكة، وإنما موجوداتٌ تدلّ على حياةٍ وزمنٍ متجدّدين. والظاهر أن صديقنا، في صنيعه هذا، يمضي في مسار "الفوتوغرافيا الفنية" التي ما انفكّ يحترفها، غير أن ضربات ريشته صارت أكثر تدخّلاً في الصورة مما كانت في أعمالٍ سابقة، وخصوصاً منها في "وجوه مدينتي" في معرضيْن سابقيْن.
تُرى، هل يُبارز هاني حوراني الزمن في الذي فعله ضد الصدأ، وضد تآكل الأشياء وتشقّق الجدران والاهتراء في موجوداتٍ قديمة؟ أظنه أفلح في معركته الجمالية هذه، فقد أظهر أن في وسع العين والخيال إذا ما تحالفا أن يزيحا الإيحاء بوطأة الزمن إلى شعورٍ بإيحاءٍ آخر، عنوانه إمتاع الروح بحياةٍ باقيةٍ، مهما جرى الزمن وتقادمت الأشياء. إنْ كانت وظيفة الكاميرا أن تُنجز صورةً، فإن الإحساس بهذه الصورة هو ما يُشغل هاني، أو ربما هو ما يهجس به عالمه الفني وفضاؤه الإبداعي، ولا سيما في العقدين الماضيين. وإذا كان قد بثّ في لقطاته، في دمشق والقاهرة ودبي وعمّان والقدس والرباط وصنعاء وغيرها، كما شاهدنا من المخبّأ لديه منها، رؤاه التي تتجاوز حيادية المشهد، فإنه في "صدأ" مضى بعيداً في اشتباك التصوير الفوتوغرافي والرسم، في إنجاز علاقةٍ بينهما تجعل الريشة هي العدسة، كما قال هو نفسه، محقاً.
لم يكن صديقُنا يحتاج أن يشرح لنا، إلياس ونبيل وأنا، عن عشقه الصورة، وشغفه بالحالة التي يكون فيها، وهو يهيئ الصورة، معالجةً وطباعةً، فقد أشاع فينا ما شاهدناه من قديم لقطات عدساته وجديدها، الملوّن وبالأبيض والأسود، زوبعةً من أسئلةٍ عن الظاهر والخافي، عن الزائف والحقيقي، في ما يتعلق بكل ما نرى قدّامنا، ناساً وأشياءَ وموجوداتٍ وطبيعةً. رأينا في وديانٍ وحواري وأزقةٍ وأريافٍ وبوادٍ وأسواقٍ، في اليمن والأردن والمغرب وسورية والعراق وفلسطين وغيرها، أشواقاً في عيونٍ تائهة، وتضاريس أزمنةٍ على وجوهٍ متعبة، وطفولةً جريحةً، ورجولةً مطفأة.. رأينا الكثير الكثير مما فاجأتنا به حذاقة هاني حوراني، وهو يصنع صوراً ورسوماً، وهو يبني من فضاءاته، وانتباهاته، عالماً من البهجة باللون والظل. أفرحنا كثيراً، متّعه الله بهناءة البال ومزاجٍ طيب.