Skip to main content
عالم ترامب: سلوك أميركي "غير تقليدي" في الداخل والخارج
فكتور شلهوب ــ واشنطن
ترامب يعتمد في تركيب إدارته مقاييس خارجة على المألوف(Getty)
توحي الأيام التي مرت على انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وسلوك الرجل الذي يتولى زمام قيادة الولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني المقبل، أن ترامب يتصرف وكأن لديه حصانة معززة بشرعية "شعبوية"، تخوله كسر الأعراف والأصول والأولويات. يخرق البروتوكول الدبلوماسي حيناً، ويعتمد في تركيب إدارته مقاييس خارجة على المألوف أحياناً. يغير مواقفه من يوم لآخر وأحياناً بين ساعة وأخرى، ثم يلتف على الوقائع بسهولة غير مسبوقة. هكذا، تلقى ممارساته الكثير من الاستغراب في واشنطن، لكنه، رغم كل شيء، مستمر فيها. لكن طقوسه الخارجة عما هو معتاد، لا تزال غير مكلفة سياسياً له. الحزب الجمهوري الذي انحازت قواعده عموماً لترامب، غير قادر على التدخل، وقد تحول إلى تابع للرئيس الجديد. والحزب الديمقراطي عاجز عن لعب دور رادع الآن، لا سيما أنه لم يصحُ بعد من صدمة هزيمته الانتخابية، التي كشفت عن مدى الخلل في وضعه الداخلي وفجرت شبه حرب أهلية سياسية في صفوفه. بهذه الصورة، تبدو الساحة خالية للرئيس ترامب. والخشية، التي يتردد صداها في الكواليس الأميركية، تتمثل في أن يستمر ترامب بهذا الأسلوب "الزئبقي" بعد توليه مهام الرئاسة رسمياً.

آخر هفوات ترامب، جسدها تلقيه مكالمة من رئيسة تايوان، تساي أينغ-وين. حديثه معها أثار دهشة وضجة في واشنطن، وانزعاجاً في بكين. بدا لأول وهلة وكأنه خروج على السياسة الأميركية المتوارثة، بنيّة تغييرها، والتي تقوم على الاعتراف بصين واحدة ولو أن للولايات المتحدة علاقات غير رسمية مع تايوان. ترامب لم يعلّق على السجال. ترك التفسير لنائبه ولمعاونيه الذين وضعوا المحادثة في خانة "المجاملة" لا أكثر. لكن هذا الشرح لم يبدد علامات الاستغراب.

وقبل أيام، أدى كشْف رئيس وزراء باكستان، نواز شريف، عن نص مكالمة هاتفية مع ترامب، إلى ضجة مماثلة في واشنطن، لما انطوت عليه لغة هذا الأخير من "تزلف وإفراط في عرض الخدمات". وكأن الكلام كان موجهاً ضد الهند. وأبدت أوساط أميركية واسعة استياءها من رئيس الوزراء الباكستاني، الذي بدا أنه تعمّد نشر الحديث لإثارة نيودلهي ضد ترامب. وسبق ذلك اجتماع الرئيس المنتخب مع رئيس وزراء اليابان، شينزو آبي، بحضور ابنته الكبرى، إيفانكا ترامب، خلافاً للأصول المعمول بها. وما يزيد من الاستغراب أنه يتواصل مع القيادات الخارجية من دون الاطلاع أو الاستعانة، في أكثر الحالات، بالمعلومات التي توفرها له وزارة الخارجية ووكالات الاستخبارات بغية وضعه في صورة آخر التطورات.


ويعوض عن ذلك بمتابعته "المفتوحة" لأخبار وبرامج الفضائيات، كما يشاع عنه. ويكتسب معظم معلوماته من محادثاته مع المرشحين لملء مقاعد في إدارته والذين يلتقي بهم يومياً. لكنه سرعان ما ينقلب على قناعاته المكتسبة، ليستبدلها "بما سمعه من آخر زائر" يلتقي به. وينطبق ذلك بشكل خاص على ملفات عديدة، خارجية مثل الاتفاق النووي الإيراني وموضوع التعذيب أثناء التحقيق مع المتطرفين وسخونة المناخ، وداخلية مثل موضوع الرعاية الصحية وغيره. ويبدو أن ترامب لم يتوصل بعد إلى صياغة خيارات خارجية واضحة ومتماسكة. وربما كان هذا أحد أسباب التعثر في حسم خياره بشأن حقيبة الخارجية. وتم التداول بعدة أسماء، لكن تم تبرير عدم الحسم تارةً بذريعة أن المنافسة قوية على هذا المنصب، وتارةً أخرى بذريعة أن موافقة الكونغرس على تعيين هذا أو ذاك ستكون متعذرة. لكن الأرجح أن ترامب يريد وزير خارجية تتوفر لديه مواصفات ومهارات "مدير أزمات"، ومتمكن في هذا المجال. ويريد منه أن يريحه من الانشغال بالمتاعب الناجمة عن المشاكل والصراعات والتعقيدات على الساحة الدولية، على الرغم من لغة الوعيد والتهديد التي اتسم بها خطابه بشأن القضايا الخارجية، أثناء الحملة الانتخابية. بمعنى آخر، يرغب ترامب في التفرغ للشؤون الداخلية، على رأس فريق، تحبس أميركا أنفاسها لمعرفة كامل أعضائه، وكيف ستكون بداية عهده، في هذا الزمن الشعبوي الذي له رموزه ولغته وقوانينه، وتداعياته.