في كتابه الصادر أخيراً بالإنكليزية تحت عنوان "العالم كما هو"، يسبر رودس نظرته وقصته لصنع سياسات أوباما، خصوصاً الخارجية. وعلى الرغم من أن الكتاب لا يتطرق فقط لسياسات أوباما الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط، إلا أن الشرق الأوسط يحتل حصة لا بأس بها في الكتاب المكون من أكثر من 400 صفحة.
ولأن سياسات أوباما أصبحت فعلاً ماضياً، يصبح اللافت هنا هو الدخول إلى مطبخ السياسة وطريقة اتخاذ القرارات وهوية الأطراف التي أدت دوراً رئيسياً ومتى. هنا تصبح قراءة هذا الكتاب مهمة لأنه يعطي، على الأقل خلال فترة أوباما، صورة أكثر تعقيداً عن اتخاذ القرارات وما هو الدور الذي يؤديه طباخون آخرون في رسم سياسات أميركا في الشرق الأوسط.
رسم رودس في الكتاب صورة لرئيس أميركي عزله وحاربه الجمهوريون بشراسة. وأشار في إحدى المقابلات الإعلامية معه، إلى أن "الرئيس أوباما كان يغضب وبشدة عندما يوصف في الإعلام الأميركي بأنه بعيد وبارد، ولأنه لم يكن كذلك، بل إن الحزب الجمهوري حاربه بكل طريقة ممكنة لدرجة أنهم لم يقبلوا حتى التعامل معه على مستوى المناسبات الاجتماعية". ولفت رودس في هذا السياق إلى الدعوة التي وجهها أوباما إلى نواب بالحزب الجمهوري للمجيء إلى البيت الأبيض ومشاهدة فيلم "لينكولن". لكن لا أحد منهم لبى الدعوة. وتحدث رودس عن أن طاقم العمل بنهاية المطاف صغير إذا ما أخذت بعين الاعتبار كمية المهام الموكلة إليهم.
وعن زيارة أوباما للقاهرة، عام 2009، وخطابه الشهير الذي وجهه إلى العالم الإسلامي، لفت رودس إلى أن "جذور ذلك الخطاب والفكرة تعود إلى فترة تنافس أوباما في سبق الرئاسة وحديثه عن رغبته بالتوجه إلى العالمين الإسلامي والعربي، ومدّ جسور تقارب خصوصاً بعد أحداث سبتمبر/أيلول 2001 وحرب العراق وأفغانستان ومعتقل غوانتنامو وفضائح التعذيب في سجن أبو غريب العراقي واحتقان العلاقات بين الولايات المتحدة والعديد من الدول في العالمين العربي والإسلامي".
وأشار إلى أن "أوباما كان من الرؤساء الذين يعملون كثيراً على خطاباتهم ويقومون بوضع خارطة طريق لها مع رؤية واضحة ومحددة حول ما الذي يريد أن يتطرق له. وفي هذا السياق دارت النقاشات عن مكان الخطاب واختيرت القاهرة لمكانتها التاريخية ورمزيتها ولكونها جزءاً من العالم العربي، لأن أوباما رأى أن التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي أساسه ومركزه العالم العربي".
ونوّه رودس، في هذا السياق، إلى أنه "وبعد أن اتخذ القرار بالذهاب إلى القاهرة بدلاً من إندونيسيا، طلب الرئيس الأميركي منه القدوم إلى مكتبه وأملى عليه المواضيع التي يريد أن يتطرق لها في خطابه وتفاصيلها". وذكر رودس أن "أوباما أراد أن يتحدث عن كيفية وصول العلاقات مع العالم العربي إلى ذلك المكان المنحدر والمسدود وأن يتحدث عن الاستعمار وإشكالياته والحرب الباردة وحرب الخليج وأحداث 11 سبتمبر". وشرح كذلك أن "أوباما أراد أن يقدم قراءة نقدية إلى النظرة الأميركية للعالم الإسلامي، وكيف أنه لا يتم التطرق للإنجازات التي قدمها المسلمون والعرب للعلوم والثقافات في العالم، وكيف أن العالم العربي لا يقدّر التعددية التي تعيشها الولايات المتحدة وأن المسلمين الأميركيين مثلاً من شرائح المجتمع الناجحة".
وأشار رودس كذلك إلى أن "أوباما أراد الحديث بالتفصيل عن العديد من الأمور التي تشكل بؤر توتر من بينها الاحتلال الإسرائيلي". ووصف رودس المراحل التي مر بها الخطاب بعدما قام بصياغته هو (رودس) أخذاً بعين الاعتبار ما أملاه أوباما ومن ثم أرسله إلى كبار الموظفين والمستشارين الذين قاموا بتحرير وتغيير بعض ما في الخطاب، مشيراً إلى "أن أحد أهم الأمور العالقة والصعبة كانت قضية فلسطين ورغبة أوباما بتسمية الاحتلال الإسرائيلي باسمه" أي كاحتلال. وأكد أنه "تمّ تحرير وتغيير الخطاب بشكل يجعل الكثير مما أراد أوباما ذكره مخففاً ويتناسب مع تيارات القوة المختلفة في البيت الأبيض". لكن رودس "المثالي" والشاب كما وصف نفسه أصبح أكثر "واقعياً" بحسب تعبيره. ولعل هذه "الواقعية" هي خط الدفاع الذي حاول رودس تقديمه على طول الكتاب دفاعاً عن سياسات أوباما التي أدى فيها هو دوراً لا يستهان به في تشكيلها.
وحول الثورات العربية ومصر تحديداً، وصف رودس أوباما بأنه "لو تُرك الأمر لأوباما لكان أكثر وضوحاً في تأييد الثورة المصرية، لكن جو بايدن، كما وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ووزير دفاعه روبرت غيتس أرادوا سياسات أكثر حذراً لا تدعو بالضرورة إلى التخلص من حسني مبارك لأن الديمقراطية قد لا تنجح بالشرق الأوسط".
ولفت رودس إلى تلك الأحداث وكأن السياسات الأميركية لا علاقة لها وأنها غير مؤثرة على ما يحدث وكأن الشرق الأوسط "بتركيبته القبلية" غير قابل للإصلاح أو الديمقراطية. وأظهر هذا نظرة رودس الإشكالية والليبرالية حتى عندما حاول تقديم نفسه وأوباما كشخصين ذوي آفاق واسعة وصاحبي نظرة معقدة للعالم. وهو من دون شك على قدر من الصحة لكنه وعلى الرغم من النقد الذاتي لا يبدو أنه وصل إلى حالة المحاسبة الذاتية، فنظرته فيها الكثير من محاولات التبرير للأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط قبل وخلال حكم أوباما.
وعن ليبيا تحدث رودس عن صناعة القرار على المستوى الرئاسي والجناح المؤيد للتدخل العسكري، ومن بينهم السفيرة الأميركية للأمم المتحدة آنذاك سامنثا باور وسوزان رايس مستشارة الأمن القومي وسفيرة الولايات المتحدة للأمم المتحدة خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى. وبرّر ذلك التدخل وتأييده له بأن "(العقيد الراحل معمّر) القذافي وجيشه كانوا على مشارف بنغازي وأن إدارة أوباما توقعت ارتكاب القذافي لمجازر في بنغازي، ناهيك عن وجود تأييد أوروبي للضربة وحشد في مجلس الأمن". وأشار رودس إلى أن "الجناح المؤيد للضربة العسكرية والتدخل في ليبيا، كباور ورايس، تحدث عن المخاوف من تكرار سيناريو ومجازر سابقة ومذابح كما حدث في رواندا في عهد بيل كلينتون".
ولفت رودس إلى "تأييده لتلك الحرب ومحاولته لإقناع أوباما وطرحه أسئلة من قبيل: ما الذي سنقوله للعالم؟ لماذا لم نتدخل؟" في إشارة إلى تهديدات معمر القذافي لشعبه. وأشار رودس إلى أن "أوباما وافق على القرار بنهاية المطاف ولكنه أعطى التعليمات بأن تدخل الولايات المتحدة كقوة رئيسية في البداية وتفكك الجيش الليبي، وتخلق منطقة محظورة الطيران ولكن على الدول الأوروبية أخذ العبء لاحقاً، في محاولة لتفادي ما حدث بالعراق". ونوّه إلى أنه تفادى الحديث عن "أن الولايات المتحدة في حرب مع ليبيا" لأسباب قانونية داخل الولايات المتحدة لأن الكونغرس لم يفوض أوباما بخوض تلك الحرب. وقال إن "اليمين كان يؤيد ضربة لكن عندما تدخل أوباما أصبح اليمين معارضاً لتلك الضربة، واليسار الليبرالي عارضها منذ البداية. بالتالي فإن الإدارة كانت محاصرة على الرغم من كل محاولاتها باتخاذ القرارات والخطوات الصحيحة". وفي الشأن السوري ذكر رودس أنه كان "هناك خطة لضرب نظام (بشار) الأسد إلا أن أوباما رأى أن أي ضربة عسكرية جدية تؤثر على نظام الأسد أو تطيح به، قد تؤدي إلى حرب مجهولة العواقب وواسعة في جميع المنطقة".