عالم اجتماع فرنسي:المسلمون الفرنسيون أقلية مهضومة الحقوق

عالم اجتماع فرنسي:المسلمون الفرنسيون أقلية مهضومة الحقوق

11 مايو 2015
+ الخط -



اعتبر الكثير من المسلمين الفرنسيين، بمختلف شرائحهم، أن كتاب عالم الاجتماع الفرنسي إيمانويل تود "من هو شارلي؟" يعيد الاعتبار لتلك الأقلية المهضومة الحقوق والفقيرة اقتصادياً.

وقال معظم الذين التقيناهم في مسجد باريس الكبير، يوم الجمعة الماضي، إن هذا الكتاب، إلى جانب مقالات أخرى خجولة، يسلط الضوء على الفرنسيين المسلمين هذه المرة، ليس باعتبارهم إرهابيين أو رافضين للاندماج، بل باعتبارهم أقلية مرئية مهضومة الحقوق وفقيرة اقتصادياً. وأعرب آخرون عن أملهم في أن يقرأ الساسة الفرنسيون جيداً الكتاب، ويحاولوا معرفة الأسباب التي تجعلهم يرون في الإسلام ديناً لا يزال يُخيف ويرفض الانفتاح على الآخرين.

وإذا كان مسلمو فرنسا قد آلمتهم كثيراً تصرفات واستفزازات عمدة بيزيي روبرت مينار المتكررة، وعبروا عن غضبهم بصيغ وطُرُق متعددة، فإنهم رأوا في كتاب إيمانويل تود فاتحةَ أمل لمناقشة هادئة لظروفهم وشروطهم الاقتصادية والاجتماعية والدينية. ويكتب تود: "كان يتملكني، خلال فترة طويلة، إيمان مُطلق بقدرة بلدي على إدماج المهاجرين من كل الأصول، يهودية وآسيوية ومسلمة وسوداء. وعليّ أن أعترف أن الشكّ يبدأ في اجتياحي في الآونة الأخيرة". وينهي تود كتابه بهذه الجملة المريرة: "أصبح في حُكم المؤكد أن جيلي لن يرى الأرضَ الموعودة".


وقد أغاظ الكتاب رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس الذي ردّ على الكاتب في مقال نشرته صحيفة لوموند، شحنه كالعادة، بدفاعه عن فرنسا والجمهورية، منتقداً، المثقفين الذين لا يتحركون، للدفاع عن فرنسا أو الذين لا يؤمنون بفرنسا، وقد كرّرها أثناء الانتخابات الأخيرة التي شهدت هزيمة ساحقة للحزب الاشتراكي واليسار. ولم يَخْل مقال فالس من "الرضى الذاتي" ومن التفاؤل بمستقبل فرنسا. وهو تفاؤلٌ عقّب عليه تود: "معدل البطالة 10 في المائة، والإسلاموفوبيا تنتشر كما تنتشر معاداة السامية".

ولا يمكن أن يكون الاشتراكيون راضين عن كتاب تود، فهو يتهمهم بالانسلاخ عن الطبقات الشعبية وعن المهاجرين والمسلمين، ولا يمكن أن يكونوا راضين عنه، لأنه يرى أن المسلمين، باعتبارهم، أقلية ضعيفة وفقيرة، تعاني من كل أشكال التمييز والإسلاموفوبيا.

وإذا كان مانويل فالس، والطبقة السياسية الفرنسية بسوادها الأعظم، يدافع عن تظاهرة 11 يناير/ كانون الثاني الماضي لنصرة "شارلي إيبدو"، فإن تود يصف هذه التظاهرة الضخمة بأنها كانت من أجل دوس النبي محمد، و"أن نشرَ عدد "شارلي إيبدو"، عدد النجاة، بتاريخ 14 يناير/ كانون الثاني، وهو يتهجم على النبي محمد من جديد، قاد فرنسا إلى عزلة أخلاقية لم نَرَ مثلها في التاريخ".

ويقول عن الفرنسيين: "الحقيقة أننا، المنغلقين في علمانويتنا الراديكالية، وجدنا أنفسَنَا وحيدين، إقليميين، بشكل مأساوي، مثل عصابة إثنية (...) إننا نشهد فرار النُّخَب المنحدرة من الأقليات الدينية ذات الأصول الأجنبية، وانزواء المحافَظات والعزلة الأخلاقية في عالم مُعولَم. نعم، إن نهاية فرنسا ليس أُفُقاً يستحيل التفكيرُ فيه. ليس الذنب ذنب الإسلام، وإنما ذنب الإسلاموفوبيين".


وينتقد تود "الإجماعية" التي حاوَل الكثيرون تصويرها، والتي مسّت حتى يسار اليسار الفرنسي. "اليسار الاحتجاجي، في كتله، تظاهرَ خلف فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي وأنجيلا ميركل ودافيد كاميرون وجان كلود يونكر(...) غالبية يسار اليسار ترفض نظرياً التقشف والنظام الرأسمالي والزعامة الأميركية والقمع الذي يتعرض له الفلسطينيون، وتَقبل، في التطبيق، العملة الموحدة وحرية التبادل"، مضيفاً "لم تقم هذه الإجماعية بإدانة معاداة السامية والخطر المتصاعد الذي تتعرض له الأقلية اليهودية، ولكنها قامت بتقديس عنف أيديولوجي ضد ديانة أقلوّيّة أخرى وهي الإسلام".

ويصف حالة الأقليات والجماعات في فرنسا: "إذا كان الإخوان غير متساوين، والرجال غير متساوين، والشعوب غير متساوية، ولا يوجد إنسان شمولي، فإن الغريب واليهودي والمسلم والأسود، هم بطبيعتهم، مختلفون، ويمكن لهذه النزعة الاختلافية أن تترسخ وفق صيغة هادئة وتحت مسمى "الحق في الاختلاف"، و"التعددية الثقافية" (...) ويوم تحمل المهاجرَ أو اليهوديَّ أو الأسودَ أو المسلمَ ما دام يقبل هؤلاء بأن يلعبوا دورهم (المطلوب منهم) باعتبارهم بشراً مختلفين، وحين يذوب هؤلاء أو يدَّعون أنهم أصبحوا أناساً مثل الآخرين، أي مواطنين عاديين، ينفجر العمق اللا مساواتي".

ويرفض تود فكرة أن المسلمين لا يريدون الاندماج ويقول "إن المسلمين أكثر اندماجاً من كل منظّري الحقد والوصم". ويرى أن "الأزمة الاقتصادية التي تطحنهم أكثر من غيرهم في فرنسا، باعتبارهم يشكلون أقلية فقيرة وضعيفة، تعطي الانطباع بأنهم غير مندمجين بما يكفي".

ويعتبر أخيراً أنه "لا ينبغي لفرنسا أن تمنع مواطنيها المسلمين من ممارسة ديانتهم بحُرّية، ولا أن تمنعهم من الاعتقاد بأن الرسوم الكاريكاتورية عن النبي محمد فاحشةٌ وقذرةٌ. وأخيراً يجب أن يقبل الإسلام ويشرَّع باعتباره مكوّناً للأُمّة، مثل ما كانت عليه الكنيسة في الماضي".

اقرأ أيضاً: حظر التنورات الطويلة في مؤسسات التعليم الفرنسية.. إسلاموفوبيا

المساهمون