عاصفة مكتملة الأركان

عاصفة مكتملة الأركان

25 مارس 2020
+ الخط -
بشكل مبرّر تماما، تستأثر أخبار تفشي فيروس كورونا المستجد باهتمام عالمي كبير، وتراوح موضوعات الاهتمام والتركيز بين تداعياته الصحية (عدد المصابين والوفيات والمتماثلين للشفاء، ومحاولات إنتاج أمصال ولقاحات لمواجهته)، وتداعياته الاقتصادية (تعطيل الحياة العامة، ودورة الإنتاج، وانهيار أسواق الأسهم والنفط)، إلى السياسات التي تنتهجها الحكومات في مواجهته (الحجر الجماعي وحزم التحفيز وإنقاذ الاقتصاد)، إلى الجوانب المرتبطة بالحروب الدعائية حوله (خصوصا بين أميركا والصين)، إلى نظريات المؤامرة الرائجة بشأن الفيروس، وصولا إلى محاولة قياس تداعيات تفشي الوباء على بنية النظام الدولي. تتفاوت أهمية هذه الموضوعات، والقدرة على التعامل معها، بين منطقة وأخرى، حسب الظروف والإمكانات، فهناك دول لديها أنظمة صحية قوية، وتستطيع أكثر من غيرها مواجهة الأزمة على هذا الصعيد (ألمانيا مثلا)، وهناك دول تتفوق بإمكاناتها الاقتصادية وأدواتها المالية، أو تتمتع بقاعدة صناعية وعلمية وتكنولوجية، تساعدها في مواجهة التداعيات الاقتصادية (الولايات المتحدة مثلا)، أو في سرعة إنتاج الأمصال واللقاحات (فرنسا مثلا)، وهناك دول لديها قدرات أمنية وسلطات مركزية قوية (مثل الصين)، استغلتها في الحجْر على ملايين البشر، مستعينة بعوامل ثقافية، تتمثل في ثنائية "الطاعة والعمل" (يسمّيها فريد زكريا الروح الآسيوية). 
لا تتمتع منطقتنا العربية بأي من هذه المزايا والإمكانات. ليس هذا فحسب، بل يهدّد اجتماع جملة من التحديات أمامها بتشكل عاصفة مكتملة الأركان، يمكن أن تغرقها في الفوضى، إذا لم ينحسر انتشار الفيروس سريعا. أول التحديات التي تواجهها مقدار الضغط الذي سيضعه الوباء على النظم الصحية، الضعيفة أصلا في الدول التي تعد مستقرة نسبيا في منطقتنا (مصر مثلا)، بحيث يدفعها إلى الانهيار. أما في الدول الهشّة أو الفاشلة، تلك التي تعاني من حروب وصراعات مزمنة، (مثل سورية والعراق وليبيا واليمن)، فلن تكون لديها أي فرصة في مواجهته. ولأن السياسة الوحيدة التي يمكن اعتمادها للتعامل مع الوباء، في هذه المرحلة، هي الحجر والعزل، فقد فرضت أكثر الحكومات العربية، مثل غيرها، حالة طوارئ، ومنعت الناس من الخروج، ما أدّى إلى تعطيل الدورة الاقتصادية ووقف الإنتاج (على فرض وجوده)، ودفع الملايين خارج سوق العمل. ولكن أكثر الدول العربية، إذا استثنيا الخليجية منها، لا تمتلك أي موارد مالية لتحفيز الاقتصاد وتوفير السلع الضرورية والاهتمام بالفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة. هذا يعني أن الناس في هذه الدول سيكون عليها أن تفاضل بين الوباء أو الجوع، وقد بدا هذا واضحا في مشاهد وردت من لبنان الذي كان قد أعلن إفلاسه وعجزه عن سداد الديون، من دون أن يبدي أحدٌ اهتماما بمساعدته، حتى قبل أن تضرب الجائحة.
ليس فقط أن الحكومات العربية تفتقر إلى الموارد لتأمين متطلبات ملايين الأسر الفقيرة التي يهدّدها كورونا بصحتها أو برزقها، بل هي حكومات فاسدة، عديمة المسؤولية، تفتقد إلى الرشد والقدرة على مواجهة التحديات وإدارة الأزمات، بدليل أنها تمارس حياتها بطريقة اعتيادية وسط الجائحة، ففي العراق مثلا يستمر الكباش على تسمية رئيس الحكومة، بانتظار إشارة القبول من طهران التي لا يشتت انتباهها، هي الأخرى عن العراق، وقد فتك كورونا بأركانها. وفي سورية يستمر النظام في ادّعائه الانتصار على كل المؤامرات، بما في ذلك كورونا الذي يتهيب أصلا دخول البلاد.
ثالثة الأثافي التي تواجهها المنطقة العربية هي انهيار أسعار النفط. وعلى الرغم من أن دول الخليج العربية سوف تبقى مؤقتا في منأى عن تداعياته، بسبب احتياطاتها المالية الكبيرة وصناديقها السيادية، فإن دولا أخرى ستواجه أوقاتا عصيبة، في مقدمتها الجزائر والعراق. وعلى امتداد تاريخها المعاصر، كان انخفاض أسعار النفط وراء كل الاضطرابات السياسية التي شهدتها الجزائر ابتداء من أزمة أكتوبر/ تشرين الأول 1988. العراق أيضا سيواجه صعوبة في إدامة دورة الفساد التي باتت نهجا في الحكم والإدارة، ولن يعود لديه الريع الكافي لإنفاقه على جمهور غاضب أصلا.
انهيار النظم الصحية، وانهيار أسعار النفط، والافتقار إلى موارد لتمويل تكاليف مواجهة الوباء، وسوء الإدارة المتوقعة للأزمة، سوف يدفع المنطقة إلى حافّة الفوضى، وسنشهد على الأرجح انتفاضات شعبية جديدة قد تكون انتفاضات 2011 مجرّد صدى بعيد لها.