عاد السلطان إلى السرايا

عاد السلطان إلى السرايا

31 يوليو 2018
+ الخط -
عنوان مثير، ترتعد منه فرائص الغوغائيين في عالمنا العربي، أما حال قائله كمن يضع يده في عش الدبابير، فالغوغائية الطافية على المسرح الثقافي كالحاوي يسحر أعين الناس، وثعابينه المصطلحات البراقة المتعلقة بحبال الوطنية والقومية العربية، فالنزعة القومية لدى بعضهم ما زالت رغبة طفولية، عالمها الوالدان، وتوفير المأكل والمشرب ليس إلا، فالتحزب الأعمى الذي طوّع الثقافة لخدمة الإيديولوجيا، وعلّق الحقائق على أعواد المشانق، وانهال عليها جلدا لتطرح ما يناسب الحزب، قاد الأمة إلى صحراء التيه، وعلى الأمة، على الرغم من مرارة الانتكاسات المتتالية وتكرار تجرّع السم، إلا أنّ التقوقع على الذات والانغلاق الحزبي بقي على حاله.
بين الرجعية والتقدمية، سقطت بغداد، تحالفت القومية العربية "التقدمية" ممثلة بسورية مع الإمبريالية الأميركية والخليج الرجعي لتدمير بغداد. وما إن سقطت وترجل صدام حسين حتى عادت التقدمية القومية تنعق على الرجعية والإمبريالية وتضفي مزيدا من المكياج على وجهها، حتى أصبحت مقاومة للإمبريالية في غوغائية ليس لها مثيل.
لم يقتصر الأمر على الرغبة الطفولية والغوغائية في القومية، بل تضافرت معها، حالة "لعم" التي طالت شريحةً واسعةً في هذه الامة، و"لعم" هي مزيج بين نعم ولا، حالة لا تفضي إلى شيء، وليس لها معنى يمكن أن تستند عليه. بل من فرط معايشتنا لها، تغلغلت في أدق تفاصيل حياتنا، وصنعنا لها قالبا، حتى الأحداث العاصفة من حولنا أدخلناها عنوةً في هذا القالب لنستريح من عناء التمييز والمواجهة.
منذ قرن، ما زالت صرخاتنا الكربلائية تنطلق في أودية التيه، ولا تعود إلا صدىً ننتظره بفارغ الصبر، وما زالت الجبال من حولنا تعيد الصدى، ونستولد صرخات إضافية معه.
تنطلق صرخة التتريك من أفواه مرتعشة منذ ذلك الزمن، صرخة من الرغبة الطفولية، ربضت روسيا في دمشق، وأميركا تجشأت من فرط البترول العربي في السعودية، والصين فرخت في الكويت، وفتحت تركيا مدارسها لتعليم اللغة العربية، ونحن نعيش على وقع التخويف من التتريك، حتى قيدنا الخوف عن أي فعل إلا الخوف والبكاء.
ورغم أنّ التتريك كان علامة من علامات زوال الخلافة العثمانية، وليس علامة القوة، إلا أن النزعة القاصرة تغافلت لأن الغفلة تتوافق مع مجمل الفكر. كسرنا كل القواعد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، في رحلة التيه والضبابية، وما زالت "لعم" سيدة الموقف.
رأس المال جبان، هي قاعدة اقتصادية عالمية قامت عليها سياسة دول واستقرار وحروب دول، إلا أنّ غفلتنا طاردتها وحاصرتها في قالب لعم، مع انتقال رؤوس الأموال من بيئة عدم الاستقرار في سورية إلى بيئة تركيا الجاذبة للاستثمارات العالمية، واستخرجنا من معطف لعم تهمة تلاحق أردوغان.
عاد السلطان إلى السرايا، وفق عملية انتحابية حديثة، وعمّت الأفراح كل بلاد الإسلام، عودة بلا سيف ولا مثقال ذرة من خوف، والغوغائيون يتغافلون ويعيشون "لعمهم" بكل أريحية، لا بل يحاربون بأدوات السياسة المهترأة لعدم عودة السلطان. تربع السلطان على عرش سرايا القلوب، فيما يتدثر الغوغائيون بـ"لعم".
38F8D4A4-02D6-4645-A8FB-28EE18CED7EE
38F8D4A4-02D6-4645-A8FB-28EE18CED7EE
أسامة العربي (فلسطين)
أسامة العربي (فلسطين)