عادل كرم... استراحة من العنصرية في "بيت الكل"

عادل كرم... استراحة من العنصرية في "بيت الكل"

24 ديسمبر 2018
عادل كرم (تويتر)
+ الخط -
هي مفارقة لافتة أن يحمل اسم البرنامج الجديد لـ"الكوميديان" والممثل اللبناني، عادل كرم، عنوان "بيت الكل"، وهو الشخص نفسه، الذي يبدو، بحسب أعماله السابقة، على شكل ظاهر وواضح، أنه على مسافة اختلاف كبيرة مع فئات كثيرة، ويعمل على تسفيهها والنيل منها، والنظر إليها من فوق، على أساس عرقي أو جنسي. أعماله السابقة وما حملته من عنصرية واستعلاء تدل عليه. فكيف يأتي ليقدم برنامجاً عنوانه "بيت الكل"؟!

في برنامجه الجديد، يستدعي، عادل كرم، في حلقته شخصيات عربية، وكأنه يعزمهم في بيته، "بيت الكل". يحكي معهم ويطبخ ويعزمهم على العشاء في حين ينظر الجمهور إليهم وهم يأكلون. كل الجمهور ينظر إليهم وهم يأكلون. وقبلها وبعدها يناقش ضيوفه ويعزفون مع الفرقة نفسها التي كانت في "هيدا حكي"، وكانت تشاركه في النكات العنصرية والجنسية نفسها، وتنال من الإناث على وجه الخصوص.

مع كل هذا يمكن اعتبار "بيت الكل" فرصة استراحة للبناني عادل كرم من كل الأشياء التي فعلها. لعلّه في هذا "البيت" يرتاح قليلاً من بيئة العنصرية. لعلّ مشكلة كرم الأولى، طوال الفترة الماضية التي سبقت "بيت الكل"، أنه يرى كل شيء من زاوية جنسية أولاً، وثانياً من قاعدة عنصرية. يعمل على فكرة "تهييج" الجمهور كي يكسب ذلك التصفيق الذي يشتهيه. نيل نسبة المُشاهدة الكثيرة لبرنامج ما لا تزيد بغير بهارات الجنس. هو يعتقد ذلك. المفردات هي التي تجعل الناس جالسين في انتظارها. وعليه فهذه البرامج من أكثر الأشياء مُتابعة، وهي الحلقات التي تضرب الأرقام القياسية.

لو رجعنا إلى الوراء قليلاً، سنجد تسجيلاً له وهو يقوم بتحوير تسمية لمنطقة يمنية في ضواحي صنعاء اسمها "جبل النهدين" ليصنع منها نكاتاً جنسية طوال الفقرة من حلقة في "هيدا حكي"، في حين يضحك الجمهور، من النساء والرجال. المُعضلة أن صاحب البرنامج كان يحكي عن وقائع مات فيها ناس وثمة جثث مرمية في الشوارع المُحيطة بجبل "النهدين" الذي سخر منه وجعله مجالاً مفتوحاً لنكات لا طعم لها ولا رائحة. كيف يمكن لآدمي ما أن يأخذ واقعة فيها دماء كي يبني عليها سخريته... السمجة.

وغير الاستهانة بدماء الناس، هناك النيل من ضحايا آخرين. كما في عبارته الصارخة في فيلم "القضية 23" للمخرج زياد الدويري الذي زار إسرائيل وأقام فيها لأشهر، عبارة عادل كرم في الشريط حين صرخ في وجه القضاء "يا ليتني كنت فلسطيني". البعض يقول إن هذا فيلم، والممثل هو مجرد ممثل ولا يبدو في الحقيقة على ما هو عليه. لكن للناس عقلاً، ولهم القدرة على التفكير وربط الأرقام والحوادث مع بعضها. قبل أيام قليلة، كان لكرم حوار إذاعي على أثير "صوت الغد" في برنامج "الأوائل" ونزلت دموعه على الهواء، وهو يحكي عن "بطله" بشير الجميّل. قال: "أنا ابن الأشرفية، أنا ابن بشير الجمّيل، وأنا وقف الزمن عندي بس استشهد، هو البطل وسيبقى البطل ولن يأتي أبطال مثله".

لم تكن مُصادفة إذاً أن يكون تاريخ العرض الأول لفيلم "القضية 23" في يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول، وهو تاريخ يوم مقتل بشير الجمّيل. لم تكن مصادفة عادية، بل كانت متوافقة مع مناسبة لتمجيد الرئيس الذي قُتل على يد حبيب الشرتوني، حسب ما قيل وقتها. على هذا ظهرت إهانة الفلسطيني واجبة في فيلم "الشتيمة" L'Insulte، بحسب ترجمته الفرنسية. لم يكن عادل كرم يمثل وقتها بل كان يقول بكل قناعاته، وبالانتماء الحزبي الذي يسري دمه في شرايينه. لم يكن يمثل، بل كان يقول بصورته الحقيقية الكارهة لكل فلسطيني موجود في لبنان. كان يقول طوال الشريط "ليتني فلسطيني"، وكأنه يستكثر وجود لاجئي فلسطين إلى اليوم في بلاد الأرز. ولاحقاً، وبسبب ظروف أوصلت فيلم "القضية 23" إلى القائمة النهائية لمسابقة الأوسكار العام الماضي، تحوّلت نبرة عادل كرم إلى قوله إنه صار عالمياً! لكن منذ متى صارت العنصرية عالمية؟

لن ينجح الفيلم في الفوز. لكن ستعود إلينا، مرّة أُخرى، نبرة العالمية التي أعلنها كرم سابقاً، حين تختار شبكة "نتفليكس" برنامجه الهزلي في "كازينو لبنان". سُيعلنها مجدداً: أنا صرت عالمياً مرّة أُخرى. كان يكفي صاحب "هيدا حكي" أن يشاهد برنامجاً مشابهاً على الـ "نتفليكس" نفسها ويرى جاد المالح في برنامج "American Dream". كان عليه أن يتخلّى عن كسله قليلاً ويتعلّم كيف تكون برامج الكوميديا، كان عليه أن ينظر إلى معنى العالمية. الكلام في الجنس وفي العنصرية لا يعني عالمية. طوال برنامجه في مسرح "الكازينو"، والذي حمل عنوان "عادل كرم: لايف من بيروت" "Live from Beirut" يصرّ كرم على بثّ نكات جنسية وعنصرية حول الأجانب العاملين في لبنان، وحين يقرّر الذهاب إلى أفريقيا يحكي للناس حول الفوارق الجنسية بين أولئك "السود" أصحاب الأعضاء "الكبيرة" وبين أهل لبنان. والمشكلة أن التصفيق يزداد في القاعة مع كل نكتة جنسية تُقال على لسانه، ولو كانت ضد النساء الموجودات في القاعة. يصفقن براحة بال وضمير وكأن الأمر لا يعنيهن! ويصل إلى حد القول عن حالة "استمناء" يحكي عنها كرم وهو يشاهد "ماتش" في كرة المضرب النسائي، والجميع يضحك، والنساء الموجودات يضحكن، والدنيا "رواق".

المساهمون