تعيش عدة عائلات تونسية على وقع الامتحانات، فتستيقظ الأمهات صباحاً، ويحفظن الأناشيد والقرآن، ويراجعن مع الأبناء الجغرافيا والتاريخ، وتحمل أخريات محفظة الكتب على كتفيها لضمان راحة الأبناء، في حين تختار بعضهن الحصول على إجازات للمراجعة ومرافقة الأبناء إلى مدارسهم ومعاهدهم.
أرق وقلق، ترقّب وانتظار، هذا هو حال أغلب البيوت التونسية التي تتحول في مثل هذه الفترة إلى خليّة مراجعة، فلا شيء غير الحديث عن الامتحانات والدراسة.
امتحانات الأبناء أعادت بعض الأمهات إلى الدراسة رغما عنهن، وهو حال السيدة عواطف عمراني، وبرغم اقترابها من عقدها الخامس، فقد كانت تسارع الخطى للحاق بالمدرسة حاملة محفظة ابنتها على كتفيها. قالت لـ"العربي الجديد" إنها ترافق ابنتها يومياً إلى المدرسة خصوصاً في فترة الامتحانات.
أما عن سير المراجعة، فقالت عواطف إنها تضطر إلى مراجعة الدروس مع ابنتها، في السادس الابتدائي، ما أعادها سنوات إلى الوراء. وعن اختلاف مناهج التعليم مقارنة بجيلها، اعتبرت أن الدراسة كانت أفضل، ومن فرط ترديدها لبعض المواد الشفاهية فقد حفظتها عن ظهر قلب بهدف تحفيز ابنتها على المراجعة. وقالت إنها لا تثق كثيراً بمعلمي دروس التدارك لأنهم يمتصون المال ولا يهمّم التلميذ.
ولم تخف السيدة عواطف أن إضراب المعلمين ومقاطعتهم للامتحانات زاد في متاعب الأولياء، فهم لا يعرفون إلى غاية اليوم هل سيجري أبناؤهم الامتحانات أم لا؟. وأشارت إلى أنهم كلّوا من الانتظار والترقّب، فهم يريدون أن يجري التلاميذ الامتحانات، وينتهي كابوس الامتحانات وأن تنتهي السنة الدراسية على خير.
من جهتها، تجد السيدة حياة بن سمير، أم لثلاثة أولاد، فترة الامتحانات مضنية وشاقة، مبينة أنّ المخاوف التي تمرّ بها الأم أكبر بكثير من مخاوف الأبناء. وتصف الفترة بأنها "مرهقة بدنياً ونفسياً، وهذا الشعور لا يضاهيه أي شعور آخر"، فتشير إلى أنها تسهر مع أبنائها وتراقبهم حتى ساعات متأخرة من الليل، وعندما يطلبون منها أن توقظهم باكراً من أجل المراجعة، فهي لا تنام خشية أن يمرّ الوقت ولا توقظهم.
وقالت إنّ الدراسة هي مستقبل التلاميذ، فكلّما تمكن الأبناء من الارتقاء والنجاح كلما شعرت الأم بأن أولادها في الطريق الصحيح، وبالتالي هي تضحي كثيراً لكي يقطفوا الثمار. ولم تخف السيدة حياة أن الأمهات عادة يتابهين بتفوّق أبنائهن، وإن الإحساس بالأمومة والتعب في تربية الأطفال يدفع الأم إلى مراجعة الدروس مع أبنائها.
وذكرت لطيفة الفطناسي، وهي أم لبنت تدرس في الابتدائي، أنّه أمام تراجع المستوى التعليمي في السنوات الأخيرة، تحرص أكثر على متابعة الدروس وتحفيظ ابنتها المواد الشفاهية، وأنها لكثرة ترديدها للقصائد تحفظها قبل ابنتها. وقالت إن أغلب الأمهات يحرصن على مساعدة أبنائهن، خصوصاً عندما يكنّ في المراحل الأولى من التعليم، مشيرة إلى أنّ الأم تتعب نفسياً في فترة الامتحانات، فكل أم تأمل أن تكون نتيجة الامتحانات جيدة.
أما صفية البلطي فاعتبرت أن الأب أيضاً يضحي ويهتم في فترة الامتحانات، ويعيش فترة عصيبة، ويسأل الأم عن سير الامتحانات التي تكون عادة الأقرب إلى أبنائها. وتقول إن الأبناء عندما يكبرون، تصبح دروسهم صعبة، فتكتفي الأم بمراقبتهم وتقديم التوجيهات والنصائح لهم.
في السياق ذاته، تؤكد ليلى حمدي أن لديها ابنة تستعد لإجراء إمتحانات البكالوريا. وقالت إنها تقاسمها السهر والتعب وكأنها ستجري الامتحانات معها، وتستيقظ باكراً لإعداد فطور الصباح والدعاء لها بالنجاح. وبينت أن ابنتها وحيدتها، لذلك تضحي بنصف راتبها من أجل دروس التدارك لتنجح ابنتها وتحصل على البكالوريا. وقالت: "أنا أقتسم راتبي مع الأساتذة، فنصفه تقريبا مخصص لدروس التدارك، ومن أجل نجاح ابنتي خرجت للعمل".
السيدة ليلى، موظفة، تجرّ محفظة ابنتها بنشاط، قالت إن ابنتها تدرس في السنة الخامسة ابتدائي، ومع ذلك فالمشاق كبيرة خصوصاً في مثل هذه الفترة من السنة. وأكدت أنها عادة ما تحصل على إذن من عملها لمرافقة ابنتها من وإلى المدرسة.
من جانبها، اعتبرت آمال أن هذه الفترة حرجة بالنسبة لأغلب العائلات التونسية، فقلوبهم مع الأبناء، وما يزيد في أرقهم، احتمال ألا يجري الأبناء امتحانات آخر السنة، مثلما جرت العادة وذلك بسبب إضراب المعلمين. وأوضحت أن شعورهم هو مزيج من الحيرة والترقب لأن عديد المسائل لا تزال غير واضحة.
السيد بوبكر حصل على إجازة عمل من أجل الامتحانات، لكي يتمكن من الإشراف على مراجعة دروس طفليه والوقوف على سير الإمتحانات، معتبراً أن إضراب المعلمين أنهك الأولياء ولخبط إجازته. ولكنه يجد صعوبة في تدريس أبنائه لأن المعلمين لم يمنحوهم جدول الإمتحانات، كما أن طفليه فقدا التركيز بسبب الإضراب.
وتساءلت هنيدة ولية عن ذنب التلاميذ والأولياء، وقالت إن "مطالب المعلمين المضربين ضاعفت من أرق الأولياء وأنهكت التلاميذ، وإذا أضفنا إلى ذلك ارتفاع درجات الحرارة فإن المسألة تصبح مرهقة". وبينت أنها بصدد مرافقة أبنائها إلى المدرسة ومراجعة دروسهم استعداداً للامتحانات التي قد تجري وقد لا تجري.
اقرأ أيضاً:غش فاضح في امتحانات البكالوريا في الجزائر