ظلال فيتنام أقوى من أوباما

16 اغسطس 2014

جندي من المارينز الأميركي أثناء هجوم في العراق (Getty)

+ الخط -

كل مَن سمع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يتحدث "بإنسانية" عن مأساة جبل سنجار العراقي، ونيّته مساعدة أهله، ظنّ أنه أمام مهمة "خيرية" جديدة للأميركيين في بلاد الرافدين. لم يخرج كلام أوباما عن السياق الدبلوماسي للسياسة الأميركية العامّة. ومع أنه من المعروف أن الأميركيين يحبون الضجيج الإعلامي، غير أنهم لم يُخلّدوا "أعمالهم الخيرية" في سنجار بالصوت والصورة، تماماً كما فعلوا يوم أطاحوا زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في مايو/ أيار 2011.
تهمّ الصورة الأميركيين. تكمن أهميتها في تخليد البطولة، لا الأعمال الإنسانية. فيوم سقطت عاصمة فيتنام، هانوي، في أيدي "الفيتكونغ"، في 29 إبريل/ نيسان 1975، كان مشهد إجلاء الرعايا الأميركيين وحلفائهم الفيتناميين من على سطح مبنى السفارة الأميركية، من أكثر المشاهد مأساوية في التاريخ الأميركي. كان جحيم فيتنام قاسياً إلى درجة أن "الشيطان الأكبر" لم يستطع المكوث في لهيبه والانتصار فيه.
شاهد الأميركيون قوات المارينز، نخبة رجالهم، وكأنهم في مهمة نجدة من حريق عشوائي، في أحد أحياء هارلم أو بروكلين النيويوركية، لا في مهمةٍ كان من المفترض بها إنهاء الوجود السوفييتي في تلك البقعة من العالم.
هال الأميركيين خروج جيشهم، بذلّ، من مستنقعات فيتنام، ولم يشفع لاحقاً اندحار الجيش السوفييتي من أفغانستان في 1989، بالطريقة عينها، للتعويض. ما وقع قد وقع، والشعب الأميركي يحتاج إلى صورة معاكسة تخلّد بطولةً عسكريةً ما. تلك الصورة لم تبصر النور في حرب العراق الأولى (1991)، والثانية (2003)، ولا في أفغانستان (2001 ـ 2014)، ولا في يوغوسلافيا السابقة (1999)، ولا في غرينادا (1983)، ولا في بنما (1989 ـ 1990)، ولا في غير هذه كلها. كان الأميركي يبحث عمّا يعوّض تلك الصورة الفيتنامية.
جاءت اللحظة "التاريخية". جبل سنجار العراقي. أقليات "تستغيث". الجيش الأميركي ملاذها الأخير، كلاعب بديل عن "حُماة" الأقليات التقليديين، في الشرق الأوسط: فرنسا وبريطانيا وروسيا. أوباما يلبّي النداء، هو، بالطبع، لا يريد حماية الآبار النفطية الكردية من زحف تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش)، بل يريد "حقاً"، حماية الطائفة الأيزيدية. بحث أوباما عن صورة. لم يجدها. ليس هناك مَن يستطيع "تخليد" بطولةٍ أميركية ما، قد تنقلب وبالاً عليهم. لم يُصوّر أحداً الغارات الجوية الأميركية التي اعتادت واشنطن إظهارها دوماً في شتّى الحروب، على "داعش". لم نجد جنوداً من المارينز يهبطون من الطائرات ببذلاتهم العسكرية، ونظاراتهم السوداء، وأسلحتهم الأوتوماتيكية الأحدث، ويُجلون عائلات، بصورة "إنسانية"، وبعطفٍ أبوي. بل كل ما كان محاولة جديدة لرئيس لا يزال يتحاشى السقوط في فخّ "الرعاية الصحية"، الذي نصبه منذ ست سنوات، لخصمه القديم، حاكم أريزونا، جون ماكين، لكنه سيقع فيه في نهاية المطاف، أو في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، في الانتخابات النصفية للكونغرس.
تستحوذ فيتنام، لا اليابان، هانوي، لا هيروشيما، على الوعي واللاوعي الأميركيين. ولم تقارن كل حرب لاحقة أو غزو لاحق لجيش اليانكي سوی بفيتنام، "الأسطورة" الحزينة، في عقل الأميركي "القوي".
حاول أوباما، في جبل سنجار، خطف تلك الصورة، لكن هالة هانوي، لا تزال الأقوى حتى إشعار آخر.
دلالات
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".