طفل يعمل بالسخانات ليحصّل الشهادة الجامعية

طفل يعمل بالسخانات ليحصّل الشهادة الجامعية

19 يناير 2015
محمد الشافعي (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يمكن أن يخطر في بالك، أن تلك الورشة في شارع القدس في مدينة البيرة في فلسطين، يعمل فيها طفل صغير لا يتجاوز عمره 13 عاماً. الابتسامة لا تفارق شفتيه. الطفل صاحب الملامح السمراء سيلفت انتباهك فوراً، بابتسامة لا تفارق وجهه، وببراءة في التحدث ممزوجة بمحاولة الإيحاء بأنه تخطى عمر "الولدنة".
اسمه محمد الشافعي، مولود في مدينة البيرة، ويساعد والده في صيانة وقص المعادن منذ كان عمره سبع سنوات. يقول محمد لـ "العربي الجديد": "أعمل في ورشة أبي منذ نحو ست سنوات، نشأت وتربيت على العمل في هذه الورشة. أعمل هنا في جميع أيام العطلة المدرسية. أجلس هنا وأقضي وقتي بين عشرات السخانات والقطع الحديدية والكوانين التي أقوم بتصنيعها مع أبي الذي علمني هذه المهنة".
ويضيف محمد بابتسام وإصرار: "أعمل في قص الصاج ولفه، وكذلك أعرف كيف أركّب السخانات والكوانين، إضافة إلى أنني أقوم بتصليح الدراجات الهوائية منذ عدة سنوات، إذ تعلمت صيانتها من دراجتي التي بدأت في تصليحها عندما تعطلت صدفة، ثم بدأت بتصليح دراجات أصدقائي، وقد أصبحت الآن امتلك خبرة مقبولة في هذه المهنة أيضاً. فأنا أقوم بتصليح الدراجات الهوائية إضافة إلى عملي في ورشة أبي".
يقول محمد بأنَّ وزير الخارجية الأميركية جون كيري أثناء زيارته إلى مدينة البيرة في فلسطين قبل عام ونصف، شاهده يقوم بتصليح دراجة هوائية أمام باب المحل في الورشة، فجاء إليه كيري وطلب منه أن يتصور معه. يضيف محمد: "كنت سعيداً جداً أن وزير الخارجية الأميركي تصور معي، وقد احتفظ هو بالصورة كما أعتقد، وسأحتفظ أنا بالصورة كذلك. والسبب أنني كنت أريد أن أقول له إن أطفال فلسطين يريدون العيش كباقي أطفال العالم، إلا أنه عندما انتهى من أخذ الصورة معي ذهب فوراً، ولم أتمكن من التحدث إليه. لقد بقيت هذه العبارة عالقة في رأسي، وأتخيل دائماً أنني أقولها له. ولو أنني كنت أعرف أنه سيذهب بهذه السرعة، لعقدت معه الصفقة التالية: أقول له ما أريد مقابل أن يلتقط معي الصورة".
ويجمع محمد بين العمل في الورشة مع والده، والتفوق الدراسي بمرتبة جيد جداً في المدرسة للفصل الدراسي الحالي. يضيف محمد: "أعمل في الورشة مع أبي منذ الساعة السادسة صباحاً وحتى التاسعة ليلاً كل يوم تقريباً، طيلة أيام العطلة. اعتدت على هذا العمل، وأحبه وأشعر بأنني رجل وأمتلك مسؤوليات. إذ إنني أصحو، خلال فترة الإجازات من المدرسة، كل صباح وأحضّر نفسي ثم أذهب مع أبي إلى الورشة وأبدأ في العمل".
يتمنى محمد أن يكمل تعليمه الدراسي وينال الشهادة الجامعية، ويصبح محاسباً في أحد المصارف الرئيسية أو إحدى الشركات الكبرى. ويقول محمد في ذلك: "حتى لو عملت محاسباً فإنني سأعمل في الورشة أيام العطلة، ولن أتركها أبداً، لأنني بدأت منها، ولن أترك شيئاً بدأت منه وأحبه وساهم في تكوين شخصيتي".
من جهةٍ أخرى، فإن محمد يمارس هواياته كطفل رغم عمله في الورشة، حيث يوازن محمد بين نضجه المهني ويفاعته الباكرة، إذ يشارك أصدقاءه اللعب في ملعب كرة القدم في البيرة، ويذهب معهم من أجل السباحة. ويضيف محمد: "أتواصل مع أصدقائي وأنا في العمل من خلال موبايلي، كذلك عبر صفحتي الخاصّة على فيسبوك". ويكرر: "أمتلك حساباً شخصياً باسمي على فيسبوك، أضع عليه كل شيء أقوم بعمله، وتعرفت من خلاله على العديد من طلاب المدارس والجامعات، وتواصلت أيضاً مع بعض الأطفال من جيلي، حيث يحضرون دراجاتهم الهوائية لأصلحها، وذلك من خلال معرفتي بهم على فيسبوك".
يختتم محمد حديثه لـ "العربي الجديد": "سأبقى أساعد أبي في الورشة طيلة أيام عطلتي من المدرسة، لن أكلّ ولن أمل من العمل معه ومساعدته، فنحن أسرة متعاونة، وسأبقى إلى جانبه حتى إنهاء المراحل الجامعية".
من جهته، يقول رياض الشافعي، وهو والد محمد، لـ "العربي الجديد": "أعتبر محمد يدي اليمنى في العمل، اعتمد عليه في كل شيء، وأتركه في الورشة أحياناً وحيداً، وأنا مطمئن أنه يتقن عملي الذي أعمله، ويستطيع السيطرة على الورشة في غيابي".

المساهمون