طرفة من سجن صيدنايا

طرفة من سجن صيدنايا

28 أكتوبر 2018
+ الخط -
لو طُلب مني أن أضع عنواناً لهذه الطرفة النادرة لقلت، على الفور، إن عنوانها هو "تأديب مهدي عامل".. وإليكم وقائعها بحسب ما رواها لي صديقٌ كان عضواً في حزب العمل الشيوعي، وأمضى في سجن صيدنايا المخصص لسجناء الرأي 12 سنة، ابتداء من سنة 1984.. قال:

في أحد الأيام من سنة 1989، وبينما نحن في الجناح المخصص لنا من السجن، إذ تقدم أحدُ السجانين من باب الجناح، وقال بلهجة آمرة:
- يلا لشوف، "مهدي عامل" يطلع لهون!

لم يرد أحدٌ من السجناء. قال:
- شو ما سمعتوا؟ "مهدي عامل" يجي لهون بسرعة، طالبُه مدير السجن.
لم يجرؤ أحدٌ منا على التوضيح بأن "مهدي عامل" هو الاسم المستعار الذي كان يستخدمه المفكرُ الماركسي اللبناني "حسن حمدان" في مؤلفاته الفلسفية التي تُنَظِّرُ للماركسية، وأنه الآن غير موجود على قيد الحياة، فقد اغتيل بتاريخ 18 مايو/ أيار 1987، وتوجهت أصابعُ الاتهام في حينها إلى "منظمة الجهاد الإسلامي" التي أصبح اسمها فيما بعد "حزب الله".

قال السجان بصوت أعلى: طيب، أين السجين "مصعب"..؟
كان معنا سجين، شاب جامعي اسمه "مصعب"، تقدم من آخر المهجع، وقال:
- نعم. أنا مصعب.

قال: بدك تقلي، ومن دون ما تلف وتدور وتوجع راسي. وين رفيقك "مهدي عامل"؟
ارتسمت ابتسامة قسرية على وجه مصعب، ولاذ بالصمت.

تبين أن الالتباس الذي أدى إلى حدوث هذا المشهد هو أن السجين "مصعب" التقى بطبيب السجن أثناء مرضه، وخلال اللقاء عرف مصعب أن الطبيب صديق والده، لذلك رجاه أن يمر بأهله في المنزل ويوصل لهم رسالة، فأبدى الطبيب استعدادَه لنقل الرسالة، وهذا ما كان.
نحن المساجين لم نعرف إن كان الطبيب قد سلم رسالة مصعب لإدارة السجن، أو أنهم أوقفوه أثناء مغادرته السجن، وفتشوه، ووجدوا معه الرسالة الموجزة.

نص الرسالة: بعد التحية والسلام وتقبيل يد والدتي ووالدي، أود أن أخبركم أنني بخير وصحتي جيدة. وللعلم فإن زميلنا السجين "فلان" لديه زيارة قريبة، بيت أهله في الحي الفلاني، أرجو أن ترسلوا لي معه شوية مصاري، وصور شخصية لأفراد العيلة، وإذا أمكن تبعتوا لي رسالة تشرحوا لي فيها أوضاعكم، والتطورات اللي عم تصير معكم خلال غيابي. كمان ابعتوا شوية كتب لـ"مهدي عامل"!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...